للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد دلَّت الأدلَّة الشرعيَّة على حُرْمَة تناول وتعاطي المُخدِّرات، منها: قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]،، وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، فقد نصَّت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنَّفْس والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر؛ فإنَّ الحفاظ على النَّفْس والعَقْل من المقاصد الكُلِّيَّة الخمسة في الإسلام، ومن أجل ذلك حَرَّم على الإنسان كُلُّ ما يُذهِبُ عَقْله أو يَضُرُّ نَفْسه، ومعلوم أنَّ في تعاطي المُخدِّرات هلاكاً ظاهراً، وإلقاءً بالنَّفْس في المخاطر.

قال العلَّامة ابن عاشور مُعلِّقاً على الآية الأولى في (التحرير والتنوير- ٢/ ٢١٥، ط. الدار التونسيَّة للنشر): «ووقوع فعل (تُلْقُوا) في سياق النَّهي يقتضي عموم كلِّ إلْقاءٍ باليد للتَّهلُكة، أي: كلِّ تَسبُّبٍ في الهلاك عن عَمْدٍ، فيكون مَنْهيًّا عنه مُحرَّماً ما لم يوجد مُقْتَضٍ لإزالة ذلك التحريم». اهـ.

ومن الأدلَّة أيضاً: ما رواه الإمام أحمد في (مسنده)، وأبو داود في (سُنَنه) عن أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قالت: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِر).

قال الإمام الخطَّابي في (معالم السنن - ٤/ ٢٦٧، ط. المطبعة العلميَّة بسوريا، الطبعة الأولى): «المُفتر: كلُّ شرابٍ يُورِثُ الفُتور والرِّخْوَة في الأعضاء، والخَدَرَ في الأطراف، وهو مقدِّمة السُّكْر، ونُهِيَ عن شُرْبِه لئلَّا يكون ذريعة إلى السُّكْر». اهـ.

فهذا الحديث نصٌّ في تحريم المُخدِّرات؛ لأنَّها من جملة المفتِّرات، والقاعدة عند الأصوليِّين: أنَّه (إذا وَرَدَ النَّهْيُ عن شَيْئَيْن مُقْتَرِنَيْن، ثمَّ نُصَّ عَلَى حُكمِ النَّهْي عن أَحَدِهما -من حُرْمَةٍ أو غيرها- أُعْطِيَ الآخرُ ذلك الحُكْمَ)، بدليل اقترانهما في الذِّكْر والنَّهي، وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>