حِبَّان، والدَّارقطنيُّ عن سعد بن أبي وقَّاصٍ:(نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ).
وفي الباب عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عند الدَّارقُطنيِّ، وعن ابن عمر -غير حديثه المُتقدِّم عند الطَّبرانيِّ-، وعن خَوَاتِ بن جُبَيرٍ عند الدَّارقطنيِّ والحاكم والطَّبرانيِّ، وعن عبد الله بن عمر عند الدَّارقُطنيِّ، وكُلُّها مُصرِّحَةٌ: بأنَّ (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).
وقد تقرَّر بهذا أنَّ الشارع لم يُحرِّم نوعاً خاصًّا من أنواع المُسْكِر دون نوعٍ، بل حَرَّمها على العموم، وسَمَّى كُلَّ ما يتَّصفُ بوصْف الإسْكار خَمْراً؛ فيتناول النصُّ القرآنيُّ -أعني قوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: ٩٠]- كُلَّ ما صَدُقَ عليه أنَّه مُسْكِرٌ؛ فيكون تحريمه ثابتاً بنصِّ الكتاب، وما تواتر من السُّنَّة.
ويؤيِّد هذا أنَّ جماعةً من أئمَّة اللُّغة جزموا بأنَّ الخَمْرَ إنَّما سُمِّيت خَمْراً لمُخامَرَتِها للعَقْل وسَتْرها له؛ منهم الدَّينَوَريُّ، والجَوهَريُّ، وابن الأَعرابيِّ، وصاحب (القاموس)، والرَّاغب في (مفردات القرآن)، وغيرهم، ولكنَّه وقع الخلاف: هل الخَمْرُ حقيقةٌ في عصير العِنَب فقط، ومجازٌ فيما عداه؟ أو هي حقيقةٌ في كُلِّ مُسْكِرٍ، أو في بعض المُسْكِرات دون بعض؟
قال الرَّاغب في (المفردات): سُمِّي الخَمْرُ لكَوْنِه خامِراً للعَقْل؛ أي ساتراً له، وهو عند بعض الناس: اسمٌ لكُلِّ مُسْكِرٍ، وعند بعضهم: المُتَّخَذُ من العِنَبِ خاصَّةً، وعن بعضهم: للمُتَّخَذِ من العِنَبِ والتَّمْرِ، وعند بعضهم: لغَيرِ المَطْبوخ. ثمَّ رجَّحَ أنَّ كُلَّ شيءٍ يَسْتُرُ العَقْل يُسمَّى خَمْراً. وبذلك جَزَمَ مَنْ قَدَّمنا ذِكْرَه من أئمَّة اللُّغة؛ قال في (القاموس): «الخَمْرُ ما أَسْكَرَ من