للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للسُّكْر؛ فإنَّه قد يكون الكَسْر لاشتداد الحلاوة أو الحموضة، ومع الاحتمال لا تنتهض للاستدلال على فرض تجرُّده عن المُعارِض، فكيف إذا كان ذلك الضعيفُ معارَضاً بالأحاديث الصحيحة الكثيرة، والقاضية بأنَّ ما أَسْكَر كثيرُه فقليلُه حرامٌ -كما تقدَّم-؟! فإذا كان الكثير من الزَّعفران، والجَوْز الهِنْديِّ، ونوع من القَاتِ يبلُغ بمُستعمِلِه إلى السُكْر؛ حَرُمَ عليه قليلُه كما يَحرُمُ عليه كثيرُه، وإذا كان يؤثِّر ذلك التأثير مع بعض المُستعمِلِين له دون البعض الآخر، كان التَّحريم مُختصًّا بمن يحصل معه ذلك الأثر دون مَنْ عَدَاه.

فإن قيل: إنَّ هذه الأمور المذكورة إنَّما يحصل بها التَّفتير دون السُّكْر.

فيقال: إنْ بَلَغَ هذا التَّفتير إلى حدِّ السُكْر -كما يحصل من أَكْل الحَشيش وشُرْبِها- فلا نزاع في أنَّ ذلك من المُحرَّمات وإنْ لم يبلغ إلى ذلك الحدِّ، بل مُجرَّدُ التَّفتير؛ فقد ورد ما يدلُّ على تحريم كُلِّ مُفَتِّر؛ فأخرج أبو داود عن أمِّ سَلَمَة قالت: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِر ومُفَتِّر). وهذا حديثٌ صالحٌ للاحتجاج به؛ لأنَّ أبا داود سكت عنه، وقد رُوِي عنه أنَّه لا يسكت إلَّا عمَّا هو صالحٌ للاحتجاج، وصرَّح بمثل ذلك جماعةٌ من الحُفَّاظ؛ كابن الصَّلاح، وزَيْن الدِّينِ، والنَّوويِّ، وغيرهم، وإذا [أردنا] الكَشْف عن حقيقة رجال إسناده؛ فليس فيهم من هو مُتكلَّمٌ عليه إلَّا شَهْر بن حَوْشَب، وقد اختَلَف في شأنه أئمَّة الجرح والتعديل؛ فوثَّقه الإمام أحمد ويحيى بن مَعِين، وهما إماما الجرح والتعديل، ما اجتمعا على توثيق رَجُلٍ إلَّا وكان ثقةً، ولا على تضعيف رَجُلٍ إلَّا وكان ضعيفاً، فأقلُّ أحوال حديث شَهْرٍ المذكور أن يكون حَسَناً، والترمذيُّ يُصحِّحُ حديثَه كما يعرف ذلك من له

<<  <  ج: ص:  >  >>