للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَدْر سِمْسِمَةٍ، فإنَّ نَقْصَها لا يَضُرُّه قَطْعاً، فإذا استمرَّ على ذلك لم تمضِ إلَّا مُدَّةٌ قليلةٌ وقد زال تولُّع المَعِدَة به، ونَسِيَتْهُ من غير أنْ تشعر ولا تستَضِرَّ لفَقْدِه، فبهذا أمكن زوالُه وقطعُه، فهو وسيلةٌ إلى إزالة ذلك المُحرَّم في ذاته، وإنْ وَجَبَ تعاطيه؛ لأنَّ الوجوب لعارِضٍ لا ينافي الحُرْمَةَ الذاتيَّة، كما أنَّ تناول المضطرِّ للمَيْتَة واجبٌ في حَقِّه لعُروضِ الاضطرار، مع بقائها في حَدِّ ذاتها على وصف الحُرمَة الذاتيِّ لها، و (ما كان وسيلةً إلى إزالة المُحرَّم يكون واجباً)؛ فوجب فعل هذا التدريج، ومَنْ ترك ذلك فهو عاصٍ آثمٌ فاسقٌ، مردودُ الشَّهادة، ولا عُذْرَ له في دوام تعاطيه إنْ أوجبناه عليه في الحالة الرَّاهنة لبقاء روحه؛ فتأمل ذلك، فإنَّ كثيرين من المخذولين بالابتلاء بهذه الخَصْلَة القبيحة الشنيعة يتمسَّكون بدوام ما هم عليه مِنَ المَقْتِ والمَسْخِ المَعنويِّ، بأنَّهم نشأوا فيه وتمكَّن منهم؛ فصار تعاطيه واجباً عليهم.

وجواب ذلك: أنَّه كلامُ حقٍّ أُريدَ به باطل؛ لأنَّا نقول لهم: لئن سلَّمنا لكم ما قلتموه، هو لا يمنع أنَّه يجبُ عليكم السَّعيُ في قَطْعِه، وزوال ضَرَرِه، ومَسْخِه لأبدانكم وأديانكم وعُقولكم ومحصولكم، ولقد أخبرني بعضُ العارفين أنَّه يمكن قَطْعُ الأَفيون في سبعة أيَّام بدواءٍ بَرَّهُ بعضُ الأطباء، بل أخبرني بعضُ طلبة العِلْم الصُّلَحاء أنَّه كان مبتلًى منه في كُلِّ يوم بمقدارٍ كثيرٍ، فساءَهُ حالُه، وتعطَّل عليه عقلُه، وأدركَ أنَّه المَسْخُ الأكبرُ، والقاتلُ الأكبرُ، والمزيلُ لكُلِّ أَنَفَةٍ ومُروءَةٍ وأَدَبٍ ورِياسَةٍ، والمُحَصِّلُ لكُلِّ ذِلَّةٍ ورَذيلَةٍ وبِذْلَةٍ ورَثاثَةٍ وخَساسَةٍ. قال: فذهبتُ إلى المُلْتَزَم الشريف، وابتهلتُ إلى الله سبحانه وتعالى بقلبٍ حزينٍ، ودموعٍ وأنينٍ، وحُرْقَةٍ صادقة، وتوبةٍ ناصحةٍ، وسألت الله تبارك وتعالى أنْ يمنعَ ضَرَرَ فَقْدِه عنِّي، ثُمَّ ذهبتُ إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>