من الخَمْر الذي يَحْرُم شُرْبُه تحت مثل قوله صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم:(مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، المرويِّ عند أبي داود والنسائي، وصحَّحه ابن حِبَّان من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، والمرويِّ عند ابن ماجه وأحمد والبيهقي، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أو تحت مثل ما جاء في سنن أبي داود، والترمذي-وحسَّنه- من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً:(كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ، فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْه حَرَامٌ). أو تحت مثل ما رواه ابن حِبَّان والطحاوي من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال:(أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ).
فإنَّ معنى هذه الأحاديث وأمثالها أنَّ الشيءَ الذي إذا أَكْثَرْتَ منه حصل السُّكْر، وإذا خَفَّفْتَ منه لم يحصل السُّكر، يكون حَراماً قليلُه وكثيرُه؛ لأنَّك ربَّما تَشْرَب القليل الذي لا يُسْكِر، ثمَّ تدعوك نَفْسُك إلى أن تُكثِرَ منه فتَسْكَر، وأمَّا ما اخْتَلَط به مُسْكِرٌ ونِسْبةُ الأخير فيه قليلةٌ جدًّا بحيث لا تُنتِجُ سُكْراً عند شُرْب خَليطِه ولو كثيراً، فهو حلالٌ لا يشمله مثل هذه الأحاديث الشريفة. هذا فيما يخصُّ حُرْمَته من حيث كونُه خَمْراً.
أمَّا حُرْمَته من حيث نجاسته باختلاط الكُحول الإيثيلي النَّجِس -عند جماهير الفقهاء باعتباره خَمْراً- بغيره، فإنَّه إن كان هذا الكُحول من الضَّآلَة بحيث يُستهلَك بعد أن يُستعمَل كمُذيبٍ، أو كمادَّة وَسيطَةٍ، أو يتطاير بالحرارة، أو تتحوَّل ماهيَّته إلى ماهيَّة أُخرى، فإنَّ المُنتَج النهائي تَنْتفي عنه النَّجاسة بالاستحالة التي طَرَأَت على الخليط النهائي، وهذا هو المختار للفتوى، وهو مذهب بعض المُحقِّقين من العُلماء من أنَّ الاستحالة من