فكُلُّ هذه مُستحدَثة يصعب علينا معرفة أحكامها شرعاً، فنلتمس من فضيلتكم بياناً شافياً مُفصَّلاً عن حُكْم كُلِّ [منها]، وعن أصلها، وعن الفَرْق بين كُلِّ واحدةٍ منها إنْ وُجِدَ، ولا تحيلونا على ما لم يكن بيدنا من فتاوى سبقت لكم في (المنار) أو غيره، أفيدونا أثابكم الله، والسَّلام.
الجواب: إذا كان في الأدْوية التي يدخلها الكُحول أشربة مُسْكِرَةٌ، فلا شكَّ في تحريم شُرْبِها، وعدم إباحتها إلَّا في حال الاضطرار التي تُبيح المحظور؛ لقوله تعالى:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩]، قيل: وما دون الاضطرار من التَّداوي الذي يكون بتجربةٍ صحيحةٍ، أو برأي طبيبٍ عَدْلٍ يُصدِّقُه المريضُ بأنَّ هذا دواء له، ولا يوجد غيره يقوم مقامه، وقد فصَّلنا هذا البحث بأدلَّتِه من قبل، ولكن يوجد كثير من الأدْوية الجامدة والمائعة التي يدخلها الكُحول للتَّطهير، وإماتة جراثيم الفساد، ولغير ذلك من حفظ الموادِّ أو تحليلها أو تركيبها، وهي ليست أشْرِبةً مُسْكِرَةً، فهذه لا وَجْه للامتناع من التَّداوي بها. ومثلُها الأعطارُ الإفرنجيَّة المُعدَّة للتَّعطُّر، وللتَّطهير الطِّبِّيِّ، فلا وجه لتحريمها إلَّا عند من يعتقد أنَّها خَمْر نَجِسَةٌ، وقد بيَّنَّا بُطلانَ هذا القول في (المجلَّد الرَّابع) من (المنار) وفي غيره، كالمناظرة فيه بيننا وبين بعض كبراء عُلماء الأزهر.
وقد جاءتنا في هذه الأيَّام فتوى من الهند بتحريم تزيين المساجد بالطِّلاء الذي يدخله (الإسبيرتو)؛ بناءً على القول بأنَّه خَمْر نَجِسٌ، وقد سُئِلْنا عن رأينا فيها، فأجبنا جواباً طويلاً ضاق عنه هذا الجزء، وسترونه فيما بعده إن شاء الله تعالى، وتعلمون منه أنَّ هذه الأدْوية والأعطار لا يَحرُم منها شيءٌ، وإنَّما يَحرُم الشَّراب المُسْكِر فقط.