لكل حقير، ولأنه لا أقل منه بنظر المخاطبين، ومثله النقير الذي في ظهرها والقطمير الغشاء الذي عليها بل يؤتونها مضاعفة إن كانت من أعمال الخير، ومثلها إن كانت من الشر، راجع الآية ١٦٠ من سورة الأنعام في ج ٣، أما الذين يؤتون كتبهم بشمالهم فتستولي عليهم الدهشة والذّلة من سوء ما يرونه فيها من كبائر المعاصي وغظائم المناهي، فيرتبكون حتى انهم تأخذهم الرجفة فلا يستطيعون قراءتها كما ينبغي لشدة ما يعتريهم من الخوف، لقبح ما هو مدون فيها. أخرج الفضيلي عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: الكتب كلها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة بعث الله تعالى ريحا فتطيرها إلى الأيمان والشمائل، وأول خط فيها (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)
الآية ١٤ المارة. وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة، قال أما عند ثلاث فلا، إلى أن قال وعند تطاير الكتب، والثاني والله أعلم عند النفخة الثانية، والثالث عند الفزع الأكبر في موقف الحساب. وجاء عن عائشة أيضا أنه يؤتى العبد كتابه بيمينه فيقرأ سيئاته، ويقرأ الناس حسناته، ثم يحول الصحيفة فيحول الله تعالى حسناته فيقرأها الناس فيقولون ما كان لهذا العبد من سيئة.
قال تعالى «وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ» الدنيا «أَعْمى» قلبه عن الاعتراف بقدرتنا والتصديق لأنبيائنا من المدعوين المذكورين «فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ» المعبر عنها بيوم ندعو في الآية المتقدمة فكذلك يكون «أَعْمى» بأشد من عمى الدنيا فلا يهتدي إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه نفعا «وَأَضَلُّ سَبِيلًا» من سبل الدنيا لأنه فيها قد يعرف بعض الطرق المؤدية لأهله مثلا، أما في الآخرة فلا يعرف شيئا البتة، لذلك لا يمكنه تدارك ما فاته فيها، أي أنه إذا اعترف إذ ذاك بالتوحيد وبالنبوة والكتب والبعث لا ينفعه، وإذا تاب لا تقبل توبته، وإلا لآمن الكل لأن الله تعالى حدد التوبة حدا وهو كونها في الدنيا وفي غير حالتي اليأس والبأس، وقبل طلوع الشمس من مغربها، والدابة من محلها، راجع الآية ٨٢ من سورة النمل المارة. وهذا الأعمى هو الذي يؤتى كتابه بشماله بدلالة ما سبق ولمقابلته به إذ لا يجوز أن يفسر الأعمى هنا بأعمى العين الباصرة لمخالفته لقوله تعالى (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)