فعلى الرجل الذي يمتحن بمثل ذلك أن يطلب من الله تعالى العافية فهو أحسن وأجدر بالعاقل، ويعلم أن الله قادر على معافاته مما هو فيه فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الذي يكشف السوء عن عباده، وما قيل انه عليه السلام كيف يتمنى اللحاق بالصالحين والصلاح أول درجات المؤمنين، وهو من الأنبياء مردود، لأن القصد بالصالحين آباؤه عليهم السلام، وكلهم أنبياء لا مطلق الصالحين كما جرى عليه بعض المفسرين الذي فتح طريقا لمثل هؤلاء المعترضين، على أنه قد يكون لهضم النفس على طريق استغفار الأنبياء من بعض ما يقع منهم بالنسبة لدرجتهم. واعلم رعاك الله أن الملاذ الدنيوية كلها خسيسة وأهمها الأكل والجماع والرياسة، فلذة الأكل عبارة عن دفع ألم الجوع وهو ترطب الطعام بالبزاق الذي هر مستقذر في نفسه، وأنه عند ما يصل إلى المعدة يتعفن، وقد يشاركه في لذته الحيوان، وأن يتلذذ بالروث تلذذ الإنسان بأكل الفستق مع الحلوى، وقال العقلاء من كان همه ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج منها، ولذة الجماع عبارة عن دفع الألم الحاصل من الدغدغة المتولدة من حصول المني في أوعيته، فهو إخراج تلك الفضلات المتولدة في الطعام بمعونة جلدة وأعصاب مدبوغة بالبول ودم الحيض والنفاس، مع حركات لو رأيتها من غيرك لأضحكتك ولعبته بها، ولهذا قال الشافعي رحمه الله الجماع عبارة عن ساعة جنون، ويكفي الرجل أن يجنّ في السنة مرة
واحدة، ويشاركه فيها الحيوان أيضا. ولذة الرياسة عبارة عن دفع ألم الذل وطلب السمعة والشهرة وحب الانتقام، وهذه إذا لم يكن فيها سوى أنها على شرف الزوال في كل آن لكثرة من ينازعه فيها ويحسده عليها لكفى بها هما وغما، لأن صاحبها لا يزال خائفا وجلا مترقبا الحوادث بسببها. فإذا كل ما في الدنيا خسيس، وفي الموت التخلص من الخسيس والرجوع إلى الحسن النفيس، فعلى العاقل أن يعمل صالحا في دنياه لتصلح له عقباه، ويحب لقاء الله، ولله در المعرّي حيث يقول:
ضجعة الموت رقدة يستريح ... الجسم فيها والعيش مثل السهاد
تعب كلها الحياة فما ... أعجب الا من راغب في ازدياد