٤٤» آيسون كثيروا الأسف والحسرة حزنا على ما فاتهم فيها لأن المبلس المطرق رأسه أسى على ما حل به من الندم وعدم تلافي ما فرط به، روى عامر بن عقبة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فإنما ذلك استدراج ثم تلا هذه الآية أسنده الطبري وذكره البغوي بغير سند «فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم وأهلكوا عن آخرهم يقال دبر فلان القوم إذا كان آخرهم، أي فكأنهم لم يلبثوا فيها وقد انقلب فرحهم ترحا وعزهم ذلة كما قال القائل:
ألا إنما الدنيا كظل سحابة ... أظلنك يوما ثم عنك اضمحلت
فلا تك فرحانا إذا هي أقبلت ... ولا تك جزعانا إذا هي ولت
وقيل: إذا جاءت الدنيا عليك فجد بها ... على الناس طرا قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ... ولا البخل يبقيها إذا هي ولت
ولكن هؤلاء كلهم جزع لأن ما هم قادمون عليه أشر مما فاتهم «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٤٥» على تأييد رسله وإهلاك أعدائهم، وهذا تعليم من الله لأنبيائه والمؤمنين أن يحمدوه عند كفايته شر معانديهم ومناوئيهم وعند قضاء حوائجهم، وهذا الحمد واجب لأنه بمقابلة نعمته وهكذا يجب على كل من أولاء الله نعمة من مال أو ولد أو صحة أو غيرها، أما في غير مقابلة نعمه فهو مسنون في كل حال لأن نعم الله على العباد لا تحصى وقيل في المعنى:
نعم الإله على العباد كثيرة ... وأجلهنّ نجابة الأولاد
قال بعض المفسرين إن الله تعالى حمد نفسه بنفسه على ما فعل بهم أي لم يقصد به التعليم والأول أولى، قال تعالى «قُلْ» يا أكرم الرس لهؤلاء الكفرة «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ» فصرتم عميا صما بكما عميا «مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ» أي بما أخذه منكم من تلك القوى فسيقولون لك حتما لا أحد يقدر على الإتيان لهم بشيء من ذلك إلا الله وانهم بفقدها يكونون كالجماد لأن الإنسان بغير هذه الحواس يختل نظامه ويفسد أمره وتتعطل مصالحه الدينية والدنيوية ولا يقدر على إيجادها إلا الذي