كل جانب فلا محيص لهم غير الاحتراق فيها. قال تعالى «وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» ليتعظوا فلم ينجع بهم «وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» ٥٤ في الباطل، وقيل إن هذه الآية نزلت في النّضر بن الحارث، وقيل في أبي بن خلف، لأنهما أكثر الكفرة جدالا في القرآن، والآية عامة فيهما وفي غيرهما ممن عمل ويعمل عملهما إلى يوم القيامة، وفي كل من يجادل في آيات الله بالباطل. روى البخاري ومسلم عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا، فقال ألا تصليان؟ فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا (أي لما تريده منا) فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته يقول وهو مول يضرب فخذه بيده (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) . وهذا الحديث لا يعني أن الآية نزلت في ذلك، وإنما ذكرها حضرة الرسول بمناسبة ما قاله علي تعجبا من سرعة جوابه وعدم موافقته له على القيام إلى الصلاة، وفيه إيماء إلى عدم قبول قوله، ولهذا ضرب فخذه. قال تعالى «وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ» مما هم عليه «إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ» هلاك الاستئصال «أَوْ» انتظار لأن «يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا» ٥٥ عيانا مقابلا لهم يشاهدونه بأعينهم، وهو جمع قبيل، وإذ ذاك لم يقبل منهم الإيمان، لأن الحالة حالة يأس وبأس، راجع الآية ١٥٨ من سورة الأنعام المارة، أي انهم لا يؤمنون بأحد هذين الشيئين، وذلك ليس من شأن العاقل، إذ عليه أن يؤمن بمجرد وضوح الدلائل على الإيمان، وقرىء قبلا بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء، والمعنى ضروب من أنواع العذاب وبفتحتين مستقبلا، وهو ما يجوز فيه ثلاث لغات كالعمر والقصر والدهر والولد والرغم والشط والسقط والفتك
والشرب والفم والضر والزعم والوجد والقلب والضب والطب والقطب والحرض. قال تعالى «وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» الأمم بعقاب العاصي وثواب الطائع «وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا» أنبياءهم «بِالْباطِلِ» مثل قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقولهم (لو شاء الله لقلنا مثل هذا)(ولو شاء الله لأنزل ملائكة)