«وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها» وهي صخرة بيت المقدس متروكة وأمرناك باستقبال الكعبة «إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ» اتباعا جازما سالما من الشك والشبهة، فيراه الناس ويميزونه عن الغير، وإلا فهو عالم بذلك قبل وقوعه مما هو موافق لما عنده في الأزل لا عبثا ولا لعبا، أي ليعلمه الناس كما هو معلوم لدينا «مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» ويظهر مخالفته لنا ولك علنا ويجاهر بمخالفتك «وَإِنْ كانَتْ» تولية القبلة «لَكَبِيرَةً» ثقيلة شاقة على الناس، لأن كل شيء خالف المألوف تستصعبه النفوس «إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» فإنهم لا يرون فيها كافة بل يرونها يسرة سهلة لما فيها من اتباع رسولهم وأمر ربهم، فيتلقون كل ما كان كذلك بطيب نفس ورغادة بال ورغبة واشتياق وسرور. وهذه الجملة نظير الجملة المارة في الآية ٤٥ بشأن الأوامر المارة فيها لقوله فيها (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ولما قال حبي بن أخطب وأصحابه من اليهود إلى المؤمنين إن كانت صلاتكم إلى بيت المقدس هدى فقد تحولنم عنها وإن كانت ضلالة فكيف بمن مات منكم عليها، فأنزل الله «وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» صلاتكم باستقبالكم القبلة السابقة لأنكم إنما استقبلتموها بأمر الله طاعة له ولرسوله، فإن صلاتكم إليها مقبولة مأجور عليها، كما أن استقبالكم البيت الحرام بأمر الله طاعة له ولرسوله مقبولة ومأجور عليها، وإنما سميت الصلاة إيمانا لاشتمالها عليه «إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ١٤٣» كثير الرحمة والرأفة بهم، لا يضيع عملا عملوه بأمره وإرادته، ولا يهدر ثوابه، كما أن من كان يتعبد على شريعة موسى، ولما بعث عيسى تبعه، ومن كان يتعبد على شريعة موسى وعيسى وعند بعثة محمد تبعه فتعبد على شريعته، فهو مأجور بكل منهما يثاب على الأخيرة كما يثاب على الأولى، فكل ما كان الإقدام عليه بأمر الله تعالى والانصراف عنه بأمره مثاب عليه، لأن القصد الامتثال. واعلم أن الفرق بين الرأفة والرحمة هو أن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة، ولذلك حسن ورودها هنا، لأن الكلام فيمن مات وهو يستقبل في صلاته بيت المقدس، والرحمة اسم جامع لذلك المعنى وغيره في جميع الأقوال والأفعال من الإنسان والأنعام وغيرها. ثم بين جل شأنه العلة