في إنزال الأمر بتحويل القبلة كما هو ثابت في سابق علمه، فقال «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها» تحبّها يا سيد الرسل وتميل إليها لأنها قبلة أبيك إبراهيم، وكان صلّى الله عليه وسلم يتشوق إليها ويقول لجبريل وددت لو أن الله حولني إلى الكعبة، فيرد عليه بأني عبد مثلك وأنت كريم على ربك، فاسأله ذلك، ولكنه لا يسأله تأدبا، لأن علمه بما في قلبه كاف عن سؤاله، وكان صلّى الله عليه وسلم يتأذى من قول اليهود أن محمدا يخالفنا في ديننا ويتبع قبلتنا، وهذه الجملة حكاية حال حضرة الرسول قبل تحويل القبلة، إذ كان يود بقلبه ويرمق بطرفه إلى السماء رجاء نزول الوحي إليه بذلك، وقد كان في مكة يستقبلها، ولهذا خاطبه ربه بقوله «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» جهته في مكة المكرمة «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ» أيها المؤمنون «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» نحوه وتجاهه «وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» من هؤلاء الذين يعترضون وينتقدون «لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ» التوجه إلى الكعبة هو «الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ» لما هو مدون في كتبهم من أنه صلّى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين، ولعلهم أن الكعبة كانت قبلة إبراهيم عليه
السلام، ثم هددهم بقوله «وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ١٤٤» من إنكاركم فيما يتعلق بأمر القبلة ومعارضتكم إلى محمد وأصحابه فيما هو حق ثابت عندكم، وانه لا بد مجازيكم على عنادكم وتعنتكم. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن النبي صلّى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يسقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وأخرج الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة، ثم قالت اليهود يا محمد ما هذا إلا شيء ابتدعته من نفسك، فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة، فلو ثبت على قبلتك لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي تنتظره، فأنزل الله «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ» كعبة البيت الحرام ولا طريقتك التي أنت عليها «وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ» مهما قالوا لك ومنّوك به من اتباع وسلوك طريقتك، لأنهم يكذبون