فظيعا، تفرق به جمعهم وتكسر به شوكتهم ليعتبر بهم كل من تحدثه نفسه بنقض العهد. وأصل التشريد التفريق مع الاضطراب «لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) » يتعظون فلا يجرؤ بعدهم أحد على نكثه. وهذه الآية من قبيل الإخبار بالغيب، إذ وقعت كما ذكر الله تعالى، لأن حضرة الرسول حكّم فيهم سعدا فحكم فيهم بحكم الله، كما سيأتي في الآية الثانية من سورة الحشر المشيرة إلى هذه الحادثة، وقد ألمعنا إليها في الآية ٢٧ المارة. وفي هذه الآية وما بعدها فنون من فنون الحرب ودواعيه وما يتعلق به يعلمها الله إلى رسوله قبل وقوعها ليطبقها عند الحاجة.
ولفظ الدواب يطلق على كل ما دبّ على وجه الأرض من إنسان وحيوان، وقد جعل الله الكافرين من صنف الدواب في هذه الآية لأنهم شرّ منهم، لأن الدواب الحقيقية لا تضر غالبا وهم يضرون الناس ويكفرون نعم الله. قال تعالى «وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ» معاهدين فتتوقع منهم «خِيانَةً» غدرا أو نقضا للعهد مثل بني قريظة «فَانْبِذْ» اطرح وارم عهدهم «إِلَيْهِمْ» وأعلمهم بفسخ المعاهدة ليكونوا على بصيرة من أمرهم ولئلا يقولوا لم تخبرنا بنقض العهد قبل ويتهموك بالنكث والغدر، حتى تكون أنت وإياهم في علم نقض العهد «عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) » في كل شيء. الحكم الشرعي: إذا ظهرت آثار نقض العهد ممن هادنهم الإمام بأمر ظاهر مستفيض فلا حاجة لنبذ العهد وإعلامهم بالحرب، وإن ظهرت الخيانة به بأمارات من غير أمر مستفيض فيجب على الإمام إعلامهم بفسخ المعاهدة كما ذكر الله وقاية من سمات الغدر ولعلهم يرجعون إلى عهدهم أو يستسلمون ويسلمون. روى مسلم عن جابر عن رجل من حمير قال:
كان بين معاوية والروم معاهدة، وكان يسير نحو بلادهم ليتقرب منهم، حتى إذا نقض العهد غزاهم، فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا، فإذا هو عمرو بن عينية، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. فرجع معاوية. - أخرجه أبو داود- وأخرج النسائي بمعناه. وقد أسهبنا البحث في هذا عند الآية ٣٤ من سورة الإسراء