للقتيل فقد ذكره الله بقوله «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» قاصدا لقتله لكونه مؤمنا استحلالا لقتله «فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً»(٩٣) وهذا التشديد في عقابه دليل استحلاله القتل لأنه بذلك القصد كفر، ولو لم يكن المراد منه ما ذكر لما رتب الله عليه هذا العقاب الشديد، لأن القاتل مؤمن عاص متروك أمره لمشيئة الله تعالى غير داخل في التخليد، قال صاحب الشيبانية.
ولا يبقى في نار الجحيم موحد ... وإن قتل النفس الحرام تعمدا
وهذه الآية عامة أيضا وإن كان نزولها على ما قيل في مقيس بن جنابة الكناني الذي راجع حضرة الرسول بأنه وجد أخاه هشاما مقتولا في بني النجار، فأرسل صلّى الله عليه وسلم معه رجلا من بنى فهد إليهم ليسلموه قاتل أخيه وإنهم إذا لم يعرفوه يعطونه الدية فقالوا والله لا نعلم له قاتلا وأعطوه الدية. وهذا هو الحكم الشرعي الآن، فإن من وجد قتيلا في قرية أو محلة ولم يعرف قاتله فإنه يحلف خمسين رجلا منهم يقول كل واحد والله ما قتلته ولا أعلم له قاتلا، ثم يعطون الدية لورثته. وبعد الفراغ منهم وسوس له الشيطان وقتل رفيقه الفهري وذهب مرتدا إلى مكة. وهذه الآية محكمة لأنها نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر، وآية الفرقان هي إحدى الآيات من ٦٨ إلى المشار إليها عند قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية ٤٨ المارة إذ نزلت بالمدينة. هذا وما قيل أن توبة المتعمد غير المستحل غير مقبولة غير سديد لأنها تقبل من المشرك فلأن تقبل من القاتل سواء كان مستحلا متعمدا أو متعمدا فقط أولى، لأن ذلك كله دون الشرك، والمؤمن العاصي إذا مات ولم يتب فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. قال في الجوهرة:
ومن يمت ولم يتب من ذنبه ... فأمره مفوض لربه
واعلم أنه إذا اجتمع قوم على قتل رجل كلهم قد ضربه ضربة قاتلة فإنهم يقتلون به كلهم، لما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم كلهم، وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به، راجع مبسوط الرضى ج ٢٦، ولهذا البحث صلة في الآية ٣١ من سورة المائدة الآتية. قال تعالى