جزاء قيامكم بها هذا هو جواب القسم العظيم ثم فرّع عنه بقوله «فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ» العهد «مِنْكُمْ» ونقضه «فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ»(١٢) واستحق العقاب المرتب على ذلك. وخلاصة هذه القصة على ما ذكره الأخباريون أن الله تعالى وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وكانت مسكن الجبارين من الكنعانيين، وأمره أن يسير إليها وأن يأخذ من كلّ سبط كفيلا على امتثال ما يأمرهم به، ففعل وسار بهم حتى قارب أريحا، فأرسل النّقباء عيونا، فلقيهم عوج بن عنق وعنق أمه من بنات آدم عليه السّلام، فأخذهم بحجزته أي شدهم على وسطه، والحجزة معقد الإزار وموضع التكة من السّراويل، وقال لزوجته هؤلاء يريدون قتالنا إلّا أطحتهم برجلي، فقالت لا بل أتركهم ليخبروا قومهم بما رأوه من قوتك فيهابوك، فتركهم، ولما رجعوا قالوا إذا أخبرنا بني إسرائيل بما رأينا من هذا الرّجل يرجعون ولا يقاتلون، بل نخبر موسى
وهرون فقط، وأخذوا على بعضهم العهد في ذلك، ولما وصلوا قومهم نكثوا وأخبر كلّ نقيب سبطه، عدا يوشع بن نون وكالب بن يوقنا فإنهما لم يخبرا سبطهما، ولم ينكثا عهدهما، وسيأتي تمام هذه القصة عند قوله تعالى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) الآية ٢٣ الآتية. قال تعالى «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» الذي أخذ منهم ونكثهم عهدهم «لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» لا تؤثر فيها المواعظ ولا تلينها الزواجر ولا ترققها العبر وصاروا فضلا عن ذلك «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» بالتبديل والتغيير والتأويل والتفسير على ما هو خلاف المراد وضد المعنى «وَنَسُوا حَظًّا» نصيبا وافرا «مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» من أحكام التوراة التي فيها خيرهم وخلاصهم، ولم يعملوا به لأن من جملة ما ذكّروا به الإيمان بعيسى بن مريم ومن بعده بمحمد عليهما الصّلاة والسّلام، وهذا من بعض خياناتهم «وَلا تَزالُ» يا سيد الرّسل «تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» بعد خائنة مثل نقضهم العهود ومعاهدتهم أهل الشّرك ضدك وهمهم بقتلك غدرا كما كانوا مع أنبيائهم الأوّل موسى وهرون فمن بعدهما «إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» يوشك أن يحافظوا على العهود