ويتذكروا بما أمرهم الله في التوراة، فيدخلون في دينك «فَاعْفُ عَنْهُمْ» الآن يا حبيبي «وَاصْفَحْ» عن زلاتهم كلهم لأنك لا تعلم الذي يؤمن بك من غيره، لذلك أحسن إليهم وعاملهم باللين «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(١٣) في أقوالهم وأعمالهم. وبمناسبة ذكر غدر قوم موسى بموسى ومحمد بمحمد عليهما الصّلاة والسّلام تطرق إلى ذكر بعض غدر قوم عيسى بعيسى عليه السّلام، فقال «وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ» أيضا على السّمع والطّاعة والإيمان بالرسل كما أخذناه على من قبلهم ومن جملة ذلك الإيمان بك يا محمد، وكذلك لم يوفوا بشيء منه ونكثوا عهدهم ونقضوا ميثاقهم كالّذين من قبلهم «فَنَسُوا حَظًّا» قسطا جزيلا وجانبا كبيرا «مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» في الإنجيل المنزل على رسولهم من لزوم الإيمان بك ونصرتك «فَأَغْرَيْنا» أوقعنا وألصقنا ومكنّا «بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» بسبب الاختلاف بينهم في أمر دينهم وجعلنا كلّ فرقة منهم تفسق بالأخرى بالدنيا «وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ» في الآخرة «بِما كانُوا يَصْنَعُونَ»(١٤) مع أنفسهم وقومهم وأنبيائهم ويجازيهم عليه قال تعالى «يا أَهْلَ الْكِتابِ» اليهود والنّصارى «قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا» محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أخذنا على رسلكم العهد بالإيمان به وألزمناهم أن يأخذوا عليكم مثله بلزوم الإيمان به، وقد فعلت الرّسل ذلك وبلغوكم ولكنكم أبيتم وصددتم أنفسكم وصنعتم غيركم عن الإيمان به أيضا وخالفتم أمر الله وأمر رسلكم وأمر هذا الرّسول الذي أرسلناه بالهدى إليكم، وقد جاءكم «يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ» أل فيه للجنس فيشمل جميع الكتب المنزلة التوراة والإنجيل وما قبلهما وأني أطلعته على ما فيهما من ذلك، وأن لا يؤاخذكم على ما سبق منكم فيسامحكم «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» مما تفعلونه وتخفونه ولا يتعرض له، فيجدر بكم أن تصدقوه وتؤمنوا به بعد أن أراكم هذه المعجزة وهي علمه بما في كتبكم، وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب، فآمنوا به لتفلحوا فإنه «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ» ببعثته وهدى لتقتدوا به لأنكم في ظلمة وعماء من أمر دينكم، ومن كان في الظّلمة يريد طرق الاهتداء