إلى النّور فاهتدوا بهذا النّور الذي جاءكم به «وَكِتابٌ مُبِينٌ»(١٥) للحق من الباطل، والرّشد من الضّلال، والحرام من الحلال، ألا وهو القرآن العظيم الجامع لما في الكتب السّماوية كلها، فاغتنموا أتباعه فإنه «يَهْدِي بِهِ» بهذا الكتاب «اللَّهُ» تعالى كل «مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ» بسلوك الطّرق التي يرضاها والتي تكون لهم «سُبُلَ السَّلامِ» من الآفات الدّنيوية المؤدية إلى طرق النّجاة من عذاب الله الأخروي «وَيُخْرِجُهُمْ» أي الّذين اتبعوه وسلكوا سبل رضوانه «مِنَ الظُّلُماتِ» التي هم غارقون فيها ظلمة العقيدة وظلمة العصيان وظلمة التكذيب التي أصدأت قلوبهم فمنع تكاثف رينها وصولهم «إِلَى النُّورِ» الذي هو التصديق به والطّاعة له والإيمان بجميع ما جاءكم به، وتلك الهداية لا تكون لأحد إلا «بِإِذْنِهِ» جل جلاله إذ لا يقع في الكون شيء إلّا بأمره وإرادته «وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(١٦) لا عوج فيه. وهذه الآية تدل دلالة ظاهرة لا غبار عليها أن محمدا صلّى الله عليه وسلم مرسل من
الله تعالى إلى أهل الكتاب كغيرهم من الأمم، بصريح الخطاب وتخصيصه بهم، فهي وحدها كافية للرد على من يقول أن رسالته صلّى الله عليه وسلم خاصة للعرب المشركين فضلا عن بقية الآيات، راجع الآية ٢٨ من سورة سبأ والآية ٥ من سورة الكهف في ج ٢. ولما بين الله تعالى اختلاف النصارى. ذكر الفرقتين الكافرتين منهم وهم اليعقوبية والملكانية، فقال جل قوله مبينا سبب كفرهم «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» وذلك أنهم يقولون إن الله تعالى وتنزه حل في بدن عيسى، ثم ذكر ما يدل على فساد قولهم وعقلهم وعقيدتهم هذه بقوله عز قوله يا سيد الرّسل «قُلْ» لهؤلاء القائلين بالحلول «فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» فهل يوجد من يقدر على دفع إهلاكه عنهم أو من يحول دونه؟ كلا كيف «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» من الخلق كلهم عبيده وعيسى واحد من جملتهم، ولا يقال بما أنه لا أب له نسب إلى الله، لأن الله تعالى «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» من غير أبوين كآدم ومن غير أم كحواء ومن غير أب كعيسى ومن أبوين مثل