بالمُحرَّمات لا يجوز، والأصل في ذلك الكتاب والسُّنَّة والنَّظر.
أمَّا الكتاب فقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: ٣]، وقوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}[الأنعام: ١٤٥]، وما جاء في معنى هاتين الآيتين من القرآن.
وجه الدلالة: أنَّ الله تعالى حَرَّم الدَّم في الآية الأُولَى على سبيل الإطلاق، وحرَّمه في الثانية تحريماً مقيَّداً، فيُحمَل المُطلَقُ على المُقيَّد، ومن المُقرَّر في علم الأصول أنَّ (الأحكامُ مِنْ أوصافِ الأفعال، فإذا أُضيفَتْ إلى الذَّوات فالمقصودُ الفِعْل الذي أُعدَّت له هذه الذَّات)، فإضافة التحريم إلى الدَّم المَسْفوح إضافة إلى ما أُعِدَّ له من شُرْب وتَداو وبَيْع، ونحو ذلك.
وأمَّا السُّنَّة فأدلَّة:
الأوَّل: روى البخاري في (صحيحه) -معلَّقاً- عن ابن مسعود رضي الله عنه:(إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ). وقد وَصَلَه الطبرانيُّ بإسنادٍ رِجالُه رجال الصحيح، وأخرجه أحمد وابن حِبَّان في (صحيحه)، والبزَّار وأبو يعلى في (مسنديهما)، ورجال أبي يَعْلَى ثقات.
وتقرير الاستدلال من هذا الحديث: أنَّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَجْعَلْ) فعلٌ مضارعٌ في سياق نَهْي وهو (لَمْ)، والفعل المضارع يشتمل على مصدرٍ وزمانٍ، وهذا المصدر نَكِرَةٌ، وهو الذي توجَّه إليه النفي. وقد تقرَّر في علم الأصول أنَّ (النَّكِرَة في سياق النَّفْي تكون عامَّة إذا لم تكن أَحَدَ مَدْلُولَي الفِعْل)، وأُلحِقَ بذلك النَّكِرة التي هي أَحَدُ مَدْلُولَي الفِعْل، وقد صَدَّر الجملة بـ[(إنَّ)] المُؤكِّدة؛ فالمعنى أنَّه -صلى الله عليه وسلم- أخبر بعدم وجود شفاءٍ في الأدْوية المُحرَّمة، وباب الخبر لفظاً ومعنًى لا لفظاً، من المواضع التي لا يَدْخُلها النَّسْخ؛ فحُكْمُه باقٍ إلى يوم القيامة؛ فيجب