للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعتقاد ذلك.

وتقريره: أنَّ من أسباب الشفاء بالدَّواء تلقِّيه بالقبول، واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بَرَكة الشفاء. ومعلومٌ أنَّ اعتقاد المسلم تحريم هذه العَيْن ممَّا يَحُولُ بينه وبين اعتقاد منفعَتِها وبَرَكَتِها وبين حُسْنِ ظَنِّه بها وتلقِّيه لها بالقبول، بل كُلَّما كان أَكْرَه لها وأسْوَأ اعتقاداً فيها، وطبْعُه أَكْرَه شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داءً له لا دواء، إلَّا أن يزول اعتقاد الخُبْث فيها وسوءُ الظنِّ والكراهة لها بالمحبَّة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قَطُّ إلَّا على وجه داءٍ.

الثاني: روى مسلم في (صحيحه)، عن طارق بن سُوَيدٍ الجُعْفِي: (أنَّه سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الخَمْر، فَنَهَاهُ وكَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ: إنَّه لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ). وفي (صحيح مسلم) عن طارق بن سُوَيْدٍ الحَضرمِيِّ قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ بِأَرْضِنَا أَعْنَابًا نَعْتَصِرُهَا فَنَشْرَبُ مِنْهَا. قَالَ: لَا، فَرَاجَعْتُهُ قُلْتُ: إِنَّا نَسْتَشْفِي لِلْمَرِيضِ. قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)، ويُقرِّر الاستدلال من هذين الحديثين ما سبق، إلَّا أنَّ هذا نصٌّ في الخَمْر، ويَعُمُّ غيرَها من المُحرَّمات قياساً.

الثالث: روى أصحاب السُّنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الدَّواء الخَبِيثِ).

وجه الدلالة: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- نَهى عن الدَّواء الخبيث، و (النَّهيُ يقتضي التَّحريمَ)، فيكون تعاطيه مُحرَّماً. وما حُرِّم إلَّا لقُبْحِه، والقبيح لا فائدة فيه، وإذا انْتَفَتِ الفائدة انْتَفَى الشِّفاء.

روى أبو داود في (السُّنن) من حديث أبي الدَّرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّواء، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ)، وأخرجه أيضاً الطبرانيُّ ورجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>