وجه الدلالة: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنَّ الدَّواء في المباح، أمَّا المُحرَّم فلا دواء فيه. وبيانُ ذلك من وجوه:
الأوَّل: أنَّ الله جلَّ وعَلَا هو الذي قَدَّر الأمراض وقدَّرَ لها الأدْوية، وهو المحيط بكلِّ شيءٍ، فما أثبته فهو المُستَحِقُّ أن يُثبَتَ، وما نفاه فهو المستحقُّ أنْ يُنفَى قولاً وعملاً واعتقاداً.
الثاني: أنَّ الله جلَّ وعَلَا شَرَع لإزالة الأمراض أسباباً شرعيَّة، وأسباباً طبيعيَّة، وعاديَّة؛ فالأسبابُ الشرعيَّة؛ مثل قراءة القرآن، والأدعية، وقوَّة التوكُّل، ونحو ذلك.
وأمَّا الطبيعيَّة؛ فمثل ما يوجد عند المريض من قوَّة البدن التي تقاوم المرض حتَّى يزول.
وأمَّا الأسباب العاديَّة؛ فمثل الأدْوية التي تُرَكَّبُ من الأشياء المباحة؛ فكيف تُجْتَنَبُ الأسبابُ المشروعةُ إلى أسبابٍ يأْثمُ مُرتكِبُها إذا كان عالِماً بالحُكْم؟!
الثالث: أنَّ أصل التَّداوي مشروعٌ وليس بواجبٍ، فلا يجوز ارتكاب محظورٍ من أجل فِعْل جائزٍ.
الخامس: أنَّه قال: (وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ)؛ فهذا نهيٌ، و (النهي يقتضي في الأصل التحريم)، وهو إنَّما حُرِّمَ لقُبْحِه، فلا يكون فيه شفاء.
وأمَّا النظرُ فمن وجوهٍ:
الأوَّل: أنَّ الله تعالى إنَّما حَرَّمه لخُبْثه، فإنَّه لم يُحرِّم على هذه الأُمَّة طَيِّباً عقوبةً لها كما حَرَّمَهُ على بني إسرائيل بقوله جَلَّ وعَلَا:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠]، وإنَّما حَرَّم على هذه الأُمَّة ما حَرَّمَ لخُبْثِه، وتحريمُه له حِمْيةً لها وصيانةً عن تناولِه، فلا يناسب أن يُطْلبَ به الشِّفاء من الأسقام والعِلَل، فإنَّه وإنْ أثَّر في إزالتها، لكنَّه يَعْقُبُ سَقَماً أعظم منه في