للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاختيار، وتوافر الدَّواء الحلال، فلا يجوز. والحديث الذي ذَكَرَ أنَّ الخَمْر ليست دواءً ولكنَّها داءٌ، وأنَّ الله لم يجعل شفاء أُمَّتِي فيما حَرَّم عليها، هو خاصٌّ بالخَمْر.

أمَّا المُحرَّمات الأخرى؛ فيجوز أن يكون فيها الشفاء، ويمكن التَّداوي بها عند الضرورة؛ فقد روى ابن المُنْذِر عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ)؛ أي الفاسدة مَعِدَتُهم؛ ولعلَّ ذلك لما ترعاه من الشِّيح (١)، والقَيْصوم (٢)، ونباتات البادية التي تُعالَجُ بها بعضُ الأمراض، ومع ذلك لا يُعالَجُ بها إلَّا عند الضرورة، كما رَخَّصَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- للزُّبَير بن العَوَّام بلُبْس الحرير؛ لوجود حِكَّة في جسده.

وكُلُّ هذا الخلاف في التَّداوي بالبَوْل بناءً على القول بنجاسته، وهو ما ذهب إليه الشافعي وغيره من القول بنجاسة الأبْوال والأرْواث كُلِّها، سواء أكانت من مأكول اللَّحم أم من غيره، مُحتَجِّين بعموم الحديث الصحيح الذي أخبر عن عذاب المَيِّت؛ لأنَّه كان لا يَسْتَبْرئُ من بَوْلِه، ووَضَعَ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- على قَبْرِه جَريدَةً؛ لعلَّ الله يُخَفِّف بها من عذابه.

لكن ذهب فريقٌ من العُلماء إلى أنَّ أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرةٌ، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السَّلف، مُحتَجِّين بهذا الحديث، وهو عامٌّ ليس خاصًّا بالقوم الذين مَرِضُوا في المدينة؛ لعدم الدَّليل على الخصوصيَّة. وأَرَى أنَّ التَّداوي بالخَمْر ممنوعٌ؛ فليس فيها شفاءٌ، والحلال متوفِّرٌ، أمَّا المُحرَّمات الأخرى فلا مانع من التَّداوي بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخفُّ حُرْمَةً.


(١) الشِّيح: نبتٌ رائحته طيِّبة وطعمُه مُرٌّ، وهو مرعى للخيل والنَّعم. انظر: القاموس المحيط (ص ٢٢٧)، تاج العروس (٦/ ٥١١).
(٢) القَيْصوم: نبتٌ طيِّب الرائحة. لسان العرب (٢/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>