للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبو داود وجماعة. والسِّرُّ فيه أنَّ طبيعة هذه الأشياء مذمومةٌ شرعاً، فيُخشَى أنْ يتولَّد من لحمها شيءٌ من طِباعِها، فيَحرُم إكراماً لبني آدم، كما أنَّه يَحِلُّ ما أُحِلَّ إكراماً له، وفي (الكفاية): والمؤثِّر في الحُرمَةِ الإيذاء، وهو طَوْراً يكون بالنَّابِ، وتارةً يكون بالمِخْلَبِ أو الخُبْثِ، وهو قد يكون خِلْقةً؛ كما في الحشرات والهَوامِّ» اهـ.

ثمَّ قال بعد ذلك تعليقاً على قول (الدُّرِّ): «والخبثُ ما تستخبِثُه الطِّباعُ السليمةُ»: «أجمع العُلماء على أنَّ المستخبثات حرامٌ بالنصِّ؛ وهو قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، وما استطابه العرب حلالٌ؛ لقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: ١٥٧]، وما استخبثه العرب فهو حرامٌ بالنصِّ، والذين يعتبر استطابتُهم أهلُ الحِجازِ من أهل الأمصار؛ لأنَّ الكتابَ نَزَلَ عليهم وخُوطِبوا به، ولم يُعتَبر أهلُ البوادي؛ لأنَّهم للضَّرورة والمَجاعَةِ يأكلون ما يجدون» اهـ.

وذكر صاحب (مَجْمَعِ الأَنْهُرِ) الضَّبَّ مِنَ المُحرِّم أكلُه، وعلَّلَ الحُرْمَةَ بقوله: «لأنَّه من السِّبَاع، خلافاً للأئمَّة الثلاثة». اهـ.

وقال صاحب (الدُّرِ المُنتقَى): «حُرْمَتُه لأنَّه من الخبائث». اهـ. هذا هو مذهب الحنفيَّة.

وأمَّا الأئمَّة الثلاثة فقد ذهبوا إلى حِلِّ أكلِهِ، مستدلِّين بأحاديث رُويت عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ كحديث ابن عمر رضي الله عنهما -وأصله في مسلم- قال: (إنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ طَعَامِ قَوْمِي، فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ، فَلَا أُحَلُّلهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ)، وحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَفِي الآكِلِينَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

وقد أجاب عنها صاحبُ (العِناية) وغيرُه من الحنفيَّة بأنَّ (الأصلَ أنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>