عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]. وقد صرَّح الأصحابُ بأنَّ لحمَ السَّرطان خبيثٌ، وهو متولِّدٌ من الدُّنَيْلَس -كما علِمْتَ نقلَه عن أهل المعرفة بالحيوان-، ويؤيُّدُه قول بعض اللُّغويِّين أنَّ الضُّفْدَع يتولَّدُ من اللَّحم الذي في الدُّنَيْلَس، والضُّفْدَع خبيثٌ أيضاً، فعلى كلٍّ مِنْ قَوْلَيْ تَوَلُّدِ الضُّفْدَع والسَّرَطان منه، هو لا يتولَّد منه إلَّا خبيثٌ؛ فليكُنْ خبيثاً، وإذا ثبت خُبْثُه حَرُمَ بنصِّ الآية؛ فالأَوْلَى لمن أرادَ أَكْلَهُ تقليدَ مالكٍ وأحمدَ رضي الله تبارك وتعالى عنهما؛ فإنَّهما يَرَيانِ حِلَّ جميع مَيْتاتِ البحر -كما مَرَّ نَقْلُه في (المجموع) عنهما، وأهلُ مِصْرَ يأكلون الدُّنَيْلَس ويبيعونه من غير نكيرٍ؛ فلعلَّهم جارون على إفتاء ابن عَدْلان ومَنْ عاصره؛ فالحقُّ أنَّه لا يخلو عن خُبْثٍ، وإنَّ تَجنُّبَ أَكْلِهِ أَوْلَى، وإنْ لم يثبتْ أنَّ ما فيه من السَّوادِ خُرْؤُهُ، على أنَّ ما قيل إنَّه خُرْؤُهُ لا أصل له.
وإلحاقُهُ بالدُّودِ المتولِّدِ من المأكول بعيدٌ جدًّا؛ إذ لا جامع بينهما بوجهٍ؛ فإنَّ عِلَّةَ حِلِّ أَكْلِ الدُّودِ عُسْرُ تمييزِهِ عمَّا خالَطَه، وأمَّا الدُّنَيْلَس ونحوه فالمُحَرِّمون لذلك يحكمون على جميع عَيْنِه بالنجاسَةِ والتَّحريم لما تَقَرَّر مِنْ خُبْثِه؛ فحينئذٍ هو لم يُخالِطْ غيرَه حتَّى يُعْفَى عنه، والسَّرطانُ له نفسٌ سائلةٌ، وألْحَقُوهُ بالضُّفْدَع، ولا ينافيه قولُ الدَّمِيريِّ إنَّه لا يتَخَلَّق بتوالُدٍ ونَتَاجٍ، إنَّما يتَخَلَّق في الصَّدَف، ثمَّ يخرُجُ منه؛ لأنَّه لا يلزم من نفي التوالُدِ والنَّتاجِ عدمُ الدَّمِ، لكنْ جَرَى جماعةٌ من أصحابنا على أنَّ الضُّفْدَع لا نفسَ له سائلةٌ؛ فيجري ذلك في السَّرَطانِ، ومع ذلك ما قاله هؤلاء ضعيفٌ.