للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ الله أَمَرَ الْمؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمرْسَلِينَ؛ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) (١).

ذلك لأنَّ طِيب المَطْعَم والمَشْرب له أثرٌ عظيمٌ في تزكية النَّفس وإشراقها، وصَفاء القَلْب واستنارته وقوَّة بصيرته، فَضْلاً عن قبول العبادة والدُّعاء، وعكسه صحيحٌ؛ فإنَّ خُبْث المَطْعَم والمَشْرَب يمنع ذلك كُلَّه؛ يقول ابن كثير رحمه الله: «والأَكلُ من الحلال سَببٌ لتَقَبُّلِ الدُّعاءِ والعبادَةِ، كما أنَّ الأَكلَ من الحرامِ يَمْنعُ قَبولَ الدُّعاء والعِبادَةِ؛ كما جاء في الحديث: ( ... أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيَّبًا ... )» (٢).

ويقول ابن رَجَبٍ رحمه الله -تعليقاً على حديث (إِنَّ الله تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيَّبًا) -: «وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أنَّه لا يقبل العملُ ولا يزكو إلاَّ بأكل الحلال، وأنَّ أَكْل الحرام يُفْسِد العملَ، ويمنع قَبولَه؛ فإنَّه قال بعد تقريره (إنَّ الله لا يقبلُ إلاَّ طيِّباً): إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. والمراد بهذا: أنَّ الرسل وأُممهم مأمورون بالأَكْل من الطيِّبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأَكْل حلالاً، فالعملُ صالحٌ مقبولٌ، فإذا كان الأَكْلُ غير حلالٍ، فكيف يكون العمل مقبولاً؟ وما ذكره بعد ذلك من الدُّعاء، وأنَّه كيف يُتقبَّل مع


(١) سبق تخريجه (ص ٥).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٤٨٠ - ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>