للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحرام، فهو مثالٌ لاستبعاد قَبولِ الأعمال مع التغذية بالحرام» (١).

وأيضاً؛ فإنَّ سلوكَ الإنسان وأخلاقَه يتأثَّران بسلوك مَأْكولِه -كما ثبت ذلك- وبعض الحيوانات أو الطيور طبيعتُها البَغْيُ والعُدوانُ والافْتِراسُ؛ كذوات الأنياب أو المخالب، وبعضها طبيعتُه البَلَادَةُ وقلَّةُ الغَيْرة؛ كالخنزير، والتشبُّه بسلوك هذه أو تلك ممَّا لا ترضاه الشريعة لأهلها والمنتسبين إليها؛ ولذا كانت حِكْمتُها ظاهرةً في النَّهي عن تناول مثل هذه الحيوانات؛ يقول ابن تيمية رحمه الله: «فأحَلَّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الطَّيِّبات وحَرَّم الخبائِثَ مِثلَ كُلِّ ذي نابٍ من السِّباع وَكُلِّ ذي مِخْلَبٍ من الطَّير؛ فإنَّها عاديَةٌ باغِيةٌ فإذا أَكَلَها النَّاسُ -والغاذِي شَبيهٌ بِالمُغْتذِي- صار في أخلاقهم شَوْبٌ من أخلاق هذه البَهائِم وهو البَغْيُ والعُدْوانُ» (٢).

بل إنَّ ما يحلُّ من هذه الحيوانات والطيور اعتنى الإسلام عنايةً كبيرةً بكيفيَّة ذَبْحِها وتَذْكِيَتها؛ حتَّى تكون حلالًا؛ فاشترط لذلك شروطاً، وسنَّ لها سُنَناً وآداباً؛ ومن ذلك: اشتراطه أَهْليَّة المذكِّي؛ بأن يكون مسلماً أو كتابيًّا؛ قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥]. ومنها: اشتراطه التسمية على الذبيحة؛ فقال جلَّ ثناؤه: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: ١١٨]. ومنها: اشتراطه إنهار الدم؛ وذلك بقطع الحلقوم، والمريء، والودجين، بالآلة القاطعة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ، وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبَشَةِ) (٣). ومنها: الإحسان إلى الذبيحة وإراحتها عند الذبح؛ فعن شدَّاد بن أَوْسٍ


(١) جامع العلوم والحكم (ص ١٠٠).
(٢) مجموع الفتاوى (١٧/ ١٧٩).
(٣) رواه البخاري (ح ٢٥٠٧)، ومسلم (ح ١٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>