هو بما فارقته الحياة الحيوانيَّة دون النَّباتيَّة، فإنَّ الشَّجَر والزَّرْع إذا يَبِسَ لم يَنْجُس باتِّفاق المسلمين، وقد قال تعالى:{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[النحل: ٦٥]، وقال:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الحديد: ١٧]، فموت الأرض لا يُوجِب نجاسَتَها باتِّفاق المسلمين، وإنَّما الميتة المُحرَّمة ما فارَقَها الحِسُّ والحَرَكة الإراديَّة.
وإذا كان كذلك؛ فالشَّعر حياتُه من جنس حياة النَّبات، لا من جنس حياة الحيوان؛ فإنَّه ينمو ويغْتَذي ويَطُول كالزَّرع، وليس فيه حِسٌّ، ولا يَتَحَرَّك بإرادَتِه؛ فلا تَحِلُّه الحياة الحيوانيَّة حتَّى يموت بمُفارَقَتها؛ فلا وَجْه لتَنْجيسِه.
وأيضاً؛ فلو كان الشَّعْر جُزْءًا من الحيوان لما أُبيح أخْذُه في حال الحياة؛ فإِنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ قَومٍ يَجُبُّون أَسْنِمَة الإبل وَأَلْيَات الغَنَمِ، فقال:(مَا أُبِينَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيِّتٌ) رواه أبو داود وغيره. وهذا مُتَّفقٌ عليه بين العُلماء، فلو كان حُكمُ الشَّعْر حُكمَ السَّنام والأَلْيَة لما جاز قَطْعُه في حال الحياة، ولا كان طاهراً حلالًا. فلمَّا اتَّفق العُلَماء على أنَّ الشَّعْر والصُّوف إذا جُزَّ من الحيوان كان طاهراً حلالًا، عُلِمَ أنَّه ليس مثل اللَّحم.
وأيضاً؛ فقد ثبت (أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَعْطَى شَعْرَهُ لمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ لِلْمُسْلِمِينَ)، (وَكَانَ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَنْجِي وَيَسْتَجْمِرُ)، فمن سَوَّى بين الشَّعر والبَوْل والعَذِرَة فقد أخطأَ خطأً بَيِّناً.
وأمَّا العِظام ونحوها؛ فإذا قيل: إنَّها داخلةٌ في الميتة؛ لأنَّها تحسُّ وتألم. قيل لمن قال ذلك: أنتم لم تأخذوا بعموم اللَّفظ؛ فإنَّ ما لا نَفْس له سائلةٌ -كالذُّباب والعَقْرب والخُنْفُساء- لا يُنجِّسُ عندكم وعند جمهور العُلماء، مع أنَّها مَيِّتةٌ موتاً حيوانيًّا، وقد ثبت في الصحيح أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ