للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لْيَنْزَعْهُ؛ فَإِنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ، وَفي الآخَرِ شِفَاءٌ). ومَنْ نَجَّسَ هذا قال في أحد القولين: إِنَّهُ لا يُنجِّسُ المائعات الواقع فيها لهذا الحديث. وإذا كان كذلك: عُلِمَ أنَّ عِلَّةَ نجاسة الميتة إنَّما هو احتباس الدَّم فيها؛ فما لا نَفْسَ له سائلةٌ ليس فيه دَمٌ سائلٌ، فإذا ماتَ لم يحتبس فيه الدَّمُ، فلا يَنجُس، فالعَظْمُ ونحوه أَوْلَى بعدم التَّنجيس من هذا؛ فإنَّ العَظْم ليس فيه دمٌ سائلٌ، ولا كان مُتحرِّكاً بالإرادة إلَّا على وجه التَّبع، فإذا كان الحيوان الكامل الحسَّاس المُتحرِّك بالإرادة لا يَنجُسُ؛ لكونه ليس فيه دمٌ سائلٌ، فكيف يَنجُسُ العَظْمُ الذي ليس فيه دمٌ سائلٌ؟

وممَّا يُبيِّنُ صحَّة قول الجُمهور: أنَّ الله سبحانه إنَّما حرَّم علينا الدَّم المسفوح؛ كما قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥]، فإذا عُفِيَ عن الدَّم غير المسفوح مع أنَّه من جنس الدَّم، عُلِمَ أنَّه سبحانه فرَّق بين الدَّم الذي يسيلُ وبين غيره، ولهذا كان المسلمون يَضَعون اللَّحم في المَرَقِ وخُطوطُ الدَّمِ في القُدور تَبينُ، ويأكُلون ذلك على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أخبرت بذلك عائشةُ، ولولا هذا لاستخرجوا الدَّمَ من العُروق كما يفعل اليهود، والله تعالى حَرَّم ما مات حَتْف أنْفِه أو بسبب غير جارحٍ مُحدَّدٍ؛ فحرَّم المُنْخَنِقَة والمَوْقُوذَة والمُترَدِّية والنَّطيحَة، وحَرَّمَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما صِيدَ بعَرْض المِعْراضِ، وقال: (إِنَّهُ وَقِيْذٌ)، دون ما صِيد بِحَدِّه، والفَرْقُ بينهما إنَّما هو سَفْحُ الدَّمِ؛ فَدَلَّ على أنَّ سبب التَّنْجيس هو احْتِقانُ الدَّم واحْتِباسُه، وإذا سُفِحَ بوجهٍ خبيثٍ بأنْ يُذْكَرَ عليه غيرُ اسم الله، كان الخُبث هنا من جهةٍ أُخرى؛ فإنَّ التَّحريم يكون تارةً لوجود الدَّم، وتارةً لفَساد التَّذْكِيَة؛ كذَكاة المجوسيِّ والمُرْتَدِّ، والذَّكاةِ في غير المَحَلِّ. وإذا كان كذلك؛

<<  <  ج: ص:  >  >>