للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهكذا لا يُستفَادُ من قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] أنْ تكونَ المَيْتَةُ مِنْ غير الخِنزيرِ نَجِسَةً، فإنَّ الضمير في قوله: {فَإِنَّهُ} راجعٌ إلى المُضَافِ وهو (لحم)، أو إلى المضاف إليه وهو (الخنزير) على خلاف في ذلك.

وعلى كلِّ تقديرٍ؛ فذلك لا يَستلزِمُ نجاسَةَ الميتةِ لا بمطابَقَةٍ، ولا تَضَمُّنٍ، ولا الْتِزامٍ، بل لو كان ما ذَكَرَهُ الله سبحانه في هذه الآية -أعني قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥]- نَجِساً؛ لقالَ سبحانه في هذه: (فإنَّها رِجْسٌ)، فَلمَّا جَعَلَ الحُكْمَ بالرِّجْسِيَّةِ خاصًّا بالخِنزيرِ مع ذِكْرِ المَيْتَةِ والدَّمِ المَسْفوح معه، أفادَ ذلك أنَّهما مُغايران له في هذه الصفة؛ أعني: الرِّجْسِيَّةَ.

إذا تقرَّر لك هذا؛ عَرَفْتَ أنَّه لم يَدُلَّ دليلٌ على نَجاسَةِ المَيْتَةِ من غير الخِنزيرِ كائنةً ما كانت. هذه الكُلِّيَّةُ الأُولَى.

الكُلِّيَّةُ الثَّانية: أنَّ أَكْلَ المَيْتَةِ حرامٌ من غير فَرْقٍ بين جميع أجزائها.

الكُلِّيَّة الثَّالثة: أنَّ بَيْعَها حرامٌ من غير فَرْقٍ.

فهذه الثَّلاث الكُلِّيَّات قد اتَّفقت عليها الأدلَّة، ولم يختلف أصلًا. وإنَّما الخِلافُ في مجرَّد الانتفاع بالمَيْتَةِ في غير الأَكْلِ والبَيْع؛ فحديث: (إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهَا) دلَّ على جواز الانتفاع بها في غير الأَكْلِ والبَيْعِ، وحديث عبد الله بن عُكَيْمٍ فيه النَّهْيُ عن الانتفاع بالإِهابِ والعَصَبِ، فكان هذا الحديثُ مُخَصِّصاً لما يُقَيِّدُه مفهوم حديث: (إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهَا) من العموم -كما قدمنا-، ولا يجوز إلحاقُ غيرهما بهما؛ لما عرَّفناك سابقاً.

وإيَّاكَ أن تغترَّ بما وَقَعَ في بعض كتب الفروع مِنْ أنَّ نجاسَةَ الشيءِ فَرْعُ تحريمِهِ؛ فإنَّ ذلك كلامٌ باطلٌ، ودَعْوَى مَحْضَةٌ. وفي هذا كفايةٌ إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>