للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الحديث بأنَّ تحريمَ البيع لازمٌ من لوازمِ تحريم الأَكْلِ ومُتفرِّعٌ عليه؛ فيَحْرُمُ البيعُ لأجزاء المَيْتَةِ جميعاً، ومن ذلك العَصَبُ والإِهابُ قَبْلَ دَبْغِه لا بَعْدَه، فهو مخصوصٌ بأحاديثَ صحيحةٍ، ويختصُّ العَصَبُ والإِهابُ بتحريم الانتفاع بهما، ويَبْقَى ما عدا ذلك على أصل الجواز.

واعْلَمْ أنَّ النَّهْيَ عن الانتفاع بالعَصَبِ والإِهابِ، والنَّهْيَ عن بيع المَيْتَةِ لا يَستَلْزِمان أنْ تكون المَيْتَةُ نَجِسَةً على وجهٍ يَمْنَعُ وجودَ شيءٍ منها صحَّة صلاة المُصَلِّي؛ فإنَّ تحريمَ البيع لا يستلزمُ أنْ يكونَ الشيءُ نَجِساً، لا شَرْعاً ولا عقلًا، وإلَّا لَزِم نجاسَةُ الأصنامِ والأَزْلامِ، وسِهامِ المَيْسِرِ، ونحوها ممَّا وَرَد الدَّليلُ الصحيحُ بتحريم بَيْعِها، وقد قَرَنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم في حديث جابرٍ الثابت في الصحيح بين المَيْتَةِ والأصنام، فاللَّازمُ باطِلٌ، فالمَلْزُومُ مِثْلُه. أمَّا المُلازَمَةُ فظاهِرةٌ، وأمَّا بُطلانُ اللَّازِم فبالإجماع.

وهكذا لا يستلزم نهيه صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم عن الانتفاع بالإِهابِ والعَصَبِ أنْ يكونا نَجِسَيْنِ لا شَرْعاً ولا عَقْلًا؛ فإنَّ كَونَ الشيءِ نَجِساً يمنع وجود صحَّة صلاة المصلِّي، إنَّما يثبتُ بدليلٍ يدلُّ على ذلك دلالةً مقبولةً، والنَّهيُ عن الانتفاع هو بابٌ آخرُ غيرُ باب كَوْنِ الشيءِ نَجِساً أو طاهراً، وهكذا لا يُستفادُ من حديث إلْقاءِ الفَأْرَةِ وما حولَها إذا وَقَعَتْ في السَّمْنِ الجامِدِ، وإراقَةِ السَّمْنِ الذي وقعت فيه الفَأْرَةُ إذا كان مائعاً نَجاسَةَ هذه المَيْتَةِ، فإنَّ تحريمَ ما وقعت فيه من الجامد وما حولَه، وتحريم جميع [المائع] الذي وقعت فيه؛ لكونه قد خالطه في الطرفين شيءٌ من المَيْتَةِ التي يَحرُمُ أَكْلُها، فكان أَكْلُه حَراماً مثلها، وليس ذلك لكونه نَجِساً، ولا مُلازمَةَ بين الإلقاء وبين تَرْكِ الانتفاع من كلِّ وجهٍ؛ فقد يكون الإلقاء إلى شيءٍ له بذلك نوع انتفاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>