ويُدْفَعُ بأنَّ أجزاءَ المَيْتَةِ الخارجة عن هذين الجزئين ما ينتفعون به كانتفاعهم بهما أو أكثر؛ فمِنْ ذلك الشَّحْمُ؛ فإنَّهم ينتفعون بهما في منافع عديدة؛ منها: الدَّهْنُ للأشياءِ، والاسْتِصْباحُ، ولهذا قالوا: لمَّا حَرَّمَ عليهم الشحومَ منبِّهينَ على المنافع التي لهم فيها: (أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ الله شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟)، وهكذا العَظْمُ، فإنَّهم ينتفعون به في منافع؛ فقد كانوا يذبحون به كما وَرَدَ في الحديث، وهكذا الأصوافُ التي على الجُلُودِ من المَيْتَةِ؛ فإنَّ لهم فيها أعظم المنافع، وقد كان لِباسُهُم وفراشُهم وشِعارُهُم ودِثارُهُم منها، وهكذا اللَّحْم فإنَّه يُمكنُ أنْ ينتفعوا به في طعام دوابِّهم.
فإنْ قُلْتَ: قد ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم تحريمَ بيع الشحوم، بل تحريمَ بيع المَيْتَةِ، وذَكَرَ تحريمَ الذَّبحِ بالعَظْمِ.
قلتُ: نعم؛ ذَكَرَ ذلك في أحاديث آخرة، وليس النِّزاعُ في مُطْلَقِ الذِّكْرِ، بل النِّزاعُ في كون ذلك ونحوه لم يُذْكَر في حديث عبد الله بن عُكَيْمٍ، مع كونهم ينتفعون به كما ينتفعون بالإِهابِ والعَصَبِ، وليس المقصود من ذِكْرِنا لذلك إلَّا [النَّقْضَ] على من زعم أنَّ أجزاءَ المَيْتَةِ مُسْتَويةٌ في تحريم الانتفاع، وأنَّ التَّنْصيص على الإِهابِ والعَصَبِ إنَّما وقع لكَثْرة انتفاعهم بهما.
فإنْ قُلْتَ: قد صَرَّحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم بتحريم بيع المَيْتَةِ في حديث، وبتحريم شُحومِها في حديث آخر، وكلاهما في الصحيح.
قلتُ: نعم؛ لا يَحِلُّ بَيْعُ شيءٍ من أجزاء المَيْتَةِ كما في الحديثين المشار إليهما، وقد عَلَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم ذلك بقولِه:(إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ) كما ثبت في الصحيح، فصرَّح صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم في