للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سؤاله هذا.

واعلمْ أنَّ حديث: (إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهَا) يدلُّ بمفهوم الحَصْرِ على أنَّ غيرَ الأَكْلِ لا يَحْرُمُ منها، بل هو حلالٌ، ومِنْ ذلك الانتفاعُ بها بوجهٍ من وجوه الانتفاع غير الأكل.

وحديث عبد الله بن عُكَيْمٍ ليس فيه إلَّا مجرَّد النَّهْيِ عن الانتفاع بالإِهابِ والعَصَب، لا بغيره من الأجزاء؛ فكان مخصِّصاً لهذين النوعين من عموم مفهوم حديث: (إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهَا)، فلو لم يَرِدْ إلَّا هذان الحديثان فقط، لكان المُستفادُ منهما جميعاً تحريمُ أكْلِ الميتةِ، من غير فَرْقٍ بين لحمٍ، وعَظْمٍ، وجِلْدٍ، وعَصَبٍ، وغير ذلك، وجوازُ الانتفاعِ بها في غير الأكْلِ، إلَّا فيما كان منها من العَصَبِ والجِلْدِ؛ فإنَّه لا يجوزُ الانتفاعُ بهما في شيءٍ من وجوه الانتفاع، كائناً ما كان.

وأمَّا قياسُ بقيَّة أجزاء المَيتَة على هذين الجزئين، وجَعْل القياس مخصِّصاً لذلك المفهوم ممَّا لا تطمئنُّ به النَّفْس، ولا يَنْثَلِجُ له الخاطر، وإنْ قال بجواز التَّخصيص بمِثْل هذا القياسِ جماعةٌ مِنْ أئمَّة الأُصول.

فإنْ قُلْتَ: فما وَجْهُ اقتصارِه صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم على هذين الجزئين في النَّهي عن الانتفاع بهما، مع أنَّ للمَيْتَةِ أجزاء غيرهما؟

قلتُ: هكذا وَرَدَ الشَّرعُ؛ فَقِفْ حيثُ وَقَفَ بِكَ، ودَعْ عنكَ لَعَلَّ وَعَسَى ونحوهما.

فإنْ قُلْتَ: لا بُدَّ من ذلك؛ فقد يُقالُ: لَعَلَّ وَجْهَ التَّنصيص عليهما دون غيرهما أنَّ العَرَب كانت تنتفعُ بهذين النوعين من المَيْتَةِ، فيأخذون الإِهابَ للانتفاع به مَدْبوغاً وغيرَ مَدْبوغٍ، ويأخذون العَصَبَ لَيَشُدُّوا به ما يحتاجُ إلى شَدٍّ. وأمَّا غيرُ هذين الجزئين فالمنفعةُ المتعلِّقةُ به هي الأَكْلُ وَحْدَه. هذا غايةُ ما يقولُه من أرادَ إتعابَ نفسِه بالتَّخيُّلات التي لا تنفع، والتَّوهُّماتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>