للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا المَوْتَ وَالهَرَمَ) (١). ولكنَّها في الوقت نفسه نَهَت عن التداوي بالمُحرَّم أو الخبيث؛ لأنَّه داءٌ وليس بدواءٍ؛ فعن طارق بن سُوَيْدٍ الجُعْفِي (سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الخَمْرِ، فَنَهَاهُ -أَوْ كَرِهَ- أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) (٢). وعن أمِّ سَلَمَة -رحمه الله- قالت: (نَبَذْتُ نَبِيذًا فِي كُوزٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَغْلِي، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: اشْتَكَتْ ابْنَةٌ لِي فَنُعِتَ لِي هَذَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيْمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (٣).

ولقد أحسنت الشريعة غاية الإحسان حينما عمدت إلى بيان وتفصيل ما يتعلَّق بهذه الأمور من الأحكام، ووضعت القواعد والضوابط والكلِّيَّات العامَّة التي يمكن من خلالها الوصول إلى حُكْمِ الله فيها، وما يستجدُّ منها، وذلك بعد بيانها: أنَّ الأصلَ في كُلِّ ما خَلَقَهُ اللهُ عزَّ وجَلَّ على هذه الأرض هو الطَّهارة والحِلُّ، وعكسُه لا يثبتُ إلَّا بدليلٍ؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]، وقال أيضاً: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، يقول ابن تيمية رحمه الله: «فاعْلَمْ أنَّ الأصْلَ في جميع الأعْيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتَبايُن أوصافِها أن تكون حَلالًا مُطْلَقًا للآدَمِيِّين، وأن تكون طاهِرَةً لا يَحْرُمُ عليهم مُلابَسَتُها ومُباشَرَتُها ومُماسَّتُها وهذه كلمةٌ جامِعَةٌ ومَقالَةٌ عامَّةٌ وقَضِيَّةٌ فاضِلَةٌ عظيمةُ المَنْفَعَة واسِعةُ البَرَكَة يَفْزَعُ إليها حَمَلَةُ الشَّريعَة فيما لا يُحْصَى من الأعمال وحوادث النَّاس» (٤).


(١) رواه أحمد (ح ١٨٤٥٥)، وابن ماجه (ح ٣٤٣٦).
(٢) رواه مسلم (ح ١٩٨٤).
(٣) رواه البيهقي (ح ١٩٧٦٩).
(٤) مجموع الفتاوى (٢١/ ٥٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>