للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذلك لأنَّ الشريعة قَصَدَتْ -من جملة ما قَصَدَتْ إليه- حفظَ النَّفْس والعِنايةَ بها، ومِنْ ثَمَّ حَرَّمت كُلَّ ما يُؤدِّي إلى وقوع الضَّرر ولُحُوق الأذى بها؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، وقال أيضاً: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) (١)، يقول الإمام النَّوَويُّ رحمه الله: «كلُّ ما ضَرَّ-أي أَكْلُه- كالزُّجَاج والحَجَر والسُّمِّ يَحْرُمُ» (٢).

ولقد فَطَنَ فقهاؤنا -رحمهم الله- لمدى عناية الشَّريعة واهتمامِها البالِغ بهذه الجوانِب، فضَمَّنوها كُتُبَهُم الفِقهيَّة، وعَقَدوا باباً للأَطْعِمَة، وآخرَ للأَشْرِبة، وثالثاً للصَّيْد والذَّبائِح، ورابعاً للِّباس والزينة، كما أفردوا في بعض المصنَّفات باباً للطبِّ والتداوي؛ تناولوا فيها -بياناً وتفصيلاً- ما يَحِلُّ ويَحْرُمُ من هذه الأمور، وشروط حِلِّها، بالإضافة إلى بيان سُننها وآدابها.

وفي عَصْرِنا الحاضِر أُفْرِدَتْ فيها المُؤلَّفاتُ والرَّسائلُ العِلْميَّةُ؛ وتناولَتْهَا بالبحث والدِّراسَة والمناقَشَة، مع بيان ما استُجِدَّ منها.

هذا كلُّه يُبَيِّنُ لنا إلى أيِّ مَدًى اهتمَّت شريعةُ الإسلام بهذه الجوانب المهمِّة من حياة النَّاس، ولا عَجَبَ في ذلك؛ إذْ بها تحقيق عبوديَّتهم لربِّهم، وتحصيل مرضاته، كما أنَّ بها قَوامَ حياتِهِم وصِحَّةَ أجسادِهم؛ فتَقْوَى على أداء المَهامِّ المُناطَةِ بهم.

وصَلَّى اللهُ وسَلَّم وبارَكَ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِه أَجْمعين.

* * *


(١) رواه ابن ماجه (ح ٢٣٤١).
(٢) روضة الطالبين (٣/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>