للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي ساءَه الاستهتار بالدِّين إذْ رأى الحانات تُفتَحُ أمام المساجد إلى آخره دعا المسلمين إلى العمل على إغلاق هذه الحانات بطريقة لا يترتَّب عليها شرٌّ أعظم، ولا فتنةٌ أكبر؛ بأنْ دعاهم إلى مطالبة أُولي الأمر بمنع فتح هذه الحانات والاتِّجار بالخَمْر، ومنع سائر المنكرات التي فَشَت في الأُمَّة فأماتت القُلُوبَ، وأفسدَتْ على العُقُول إدراكَها، فأصبح كثيرٌ من الناس يستحسنون القبيح ويستقبحون الحسن، وفُقِدَت منهم قوَّة التَّمييز بين الخير والشرِّ، والنافع والضارِّ، والحَسَن والقبيح، كان هذا المسلمُ ومن يقوم معه قد أدَّوا ما هو واجب على حسب استطاعتهم.

أمَّا إذا قاموا بأنفسهم بإزالة هذا المنكر، وتغييره بأيديهم، وكان هذا ممَّا يترتَّب عليه فتنةٌ وشَرٌّ للأُمَّة أعظم من الاتِّجار بالخَمْر، فذلك ممَّا لا يجوز فعله، بل هو محظورٌ؛ لما يترتَّب عليه من المَفاسِدِ والمَضارِّ، كما قدمنا.

هذا وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنَّ تغيير المنكر باليد إنَّما هو على الأُمَرَاء والحُكَّام، والتغيير باللِّسان على العُلماء، والتغيير بالقَلْب على العَوامِّ؛ ذهاباً منه إلى أنَّ التغيير باليد يعتمد القُدْرة، وأنَّه لا قُدْرة لغير الأُمراء والحكام.

ولكن حديث: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، ... ) إلى آخره، نصٌّ -كما قال العلَّامة البركوي- في كون الوجوب على هذا الترتيب على كلِّ شخصٍ، وهو قولُ أكثر العُلماء وهو المختارُ للفتوى.

غير أنَّ الأمر مُقَيَّد -كما قلنا سابقاً- بما إذا لم يترتَّب على ذلك شرٌّ أعظم ومفسدةٌ أكبر.

وخلاصة القول: أنَّ الشريعة الإسلاميَّة -كما قال المحقِّق ابن القَيِّم-: مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>