للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عينها بقوله: (حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، والسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ)، أَو (المُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ) على اختلاف الرُّواة في ذلك.

فمن قال: إنَّ الخَمْر ليست بمُحرَّمةِ العين، فهو كافرٌ، حلال الدَّم يُستتاب؛ فإنْ تابَ، وإلَّا قُتِلَ.

وكذلك كُلُّ ما أسْكَرَ من جميع الأنبذة، فهو مُحرَّم العين، لا يَحِلُّ شُرْبُ القليل منه، ولا الكثير، عند مالكٍ وكافَّة أهل العِلْمِ من الصَّحابة والتَّابعين وفقهاء المسلمين؛ لقول النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).

ونقول: إنَّها مُحرَّمة لعِلَّةٍ، وإنَّ العِلَّةَ في تحريمها المعنَى الموجود بها من الشِّدَّة المُطْرِبَةِ المُغَيِّرَةِ للعقول، المُوجِبَةِ لها التَّسمية بالخَمْر، وهو الإسْكَار.

والدَّليل على صحَّة هذه العِلَّة، أنَّها مُطَّردةٌ منعكسةٌ، يوجَد التحريم بوجودها، ويُعدَم بعَدَمِها، ألا ترى أنَّها إذا كانت عصيراً قبل أنْ يحدث فيها المعنى الذي يُسْكِر، حلالٌ، فإذا حدث فيها ذلك المعنى حَرُمَت به، فإذا عُدِمَ منها بالتَّخليل حلَّت بعَدَمِه منها. واطِّرادُ العِلَّة وانعكاسُها من أَدَلِّ دليلٍ على صحَّتها، وقد بينَّها الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}؛ فدلَّ عزَّ وجلَّ بقوله هذا على أنَّه إنَّما حرَّمها لما فيها من المعنى الموجِب للعداوة والبغضاء، والصَّدِّ عن ذِكْر الله وعن الصَّلاة.

ومن الناس من ذهب إلى أنَّها مُحرَّمةٌ لاسْمِها؛ فجعل العِلَّة في تحريمها استحقاقها لاسم الخَمْر في اللِّسان العَرَبيِّ؛ لمَّا وَجَد التَّحريم فيها تابعاً لاسْمِها، متى استحقَّت أنْ تُسمَّى خمراً، حَرُمَتْ، ومتى لم تستحقَّ ذلك حَلَّت. وذلك موافقٌ لما قُلْناه من المعنى؛ لأنَّها إنَّما تُسمَّى خمراً بوجود الشِّدَّة المُطْرِبَةِ المُسْكِرَة فيها، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>