كُلَّ مُسْكِرٍ وجَعَلَهُ خمراً؛ كما في صحيح مسلمٍ عن ابن عمر عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال:(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)، وفي لفظ:(كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وفي الصحيحين عن عائشة عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال:(كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)، وفي الصَّحيحين عن أبي موسى عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَرَابِ العَسَلَ يُسَمَّى البِتْعَ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ؛ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطَّاب أنَّه قال على المنبر -منبر النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الخَمْرَ؛ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الحِنْطَةِ، وَالشَّعيرِ، وَالعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ)، وهو في السُّنن مُسنَدٌ عن ابن عمر عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ورُوِيَ عنه من غير وجهٍ أنَّه قال:(مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، وقد صحَّحهُ طائفةٌ من الحُفَّاظ. والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ.
فمذهبُ أهل الحجاز، واليمن، ومصر، والشَّام، والبصرة، وفقهاء الحديث؛ كمالك، والشَّافعي، وأحمد ابن حنبل، وغيرهم: أنَّ كُلَّ ما أسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ، وهو خمر عندهم؛ من أيِّ مادَّةٍ كانت؛ مِنَ الحُبُوب والثِّمار وغيرها، سواءٌ كان من العِنَب، أو التَّمر، أو الحِنْطَة، أو الشَّعير، أو لَبَنِ الخَيْلِ، أو غير ذلك، وسواءٌ كان نَيِّئاً، أو مطبوخاً، وسواءٌ ذهب ثُلُثاه، أو ثُلُثُه، أو نِصْفُه، أو غير ذلك؛ فمتى كان كثيرُه مُسْكِراً حَرُمَ قليلُه بلا نزاع بينهم.
ومع هذا فهم يقولون بما ثبت عن عمر؛ فإنَّ عمر رضي الله عنه لمَّا قَدِم الشَّام وأرادَ أنْ يَطبُخ للمسلمين شَراباً لا يُسْكِرُ كثيرُهُ، طبخَ العصيرَ حتَّى ذهب ثُلُثاه وبقي ثُلُثُه، وصار مثل الرُّبِّ، فأدخل فيه أُصبعه فوجده غليظاً، فقال: كأنَّه الطِّلا (١)؛ يعني
(١) الطِّلَا أو الطِّلَاء: -بكسر الطَّاء- ما طُبِخ من عصير العِنَب حتَّى ذهب ثُلُثاه. انظر: لسان العرب (١٥/ ١٠).