للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطِّلا الذي يُطلَى به الإبلُ؛ فسَمُّوا ذلك «الطِّلا»، فهذا الذي أباحهُ عُمَرُ لم يَكُنْ يُسْكِرُ، وذَكَرَ ذلك أبو بكرٍ عبد العزيز ابن جعفرٍ صاحب الخَلَّال: أنَّه مُباحٌ بإجماع المسلمين. وهذا بناءً على أنَّه لا يُسْكِرُ. ولم يَقُل أحدٌ من الأئمَّة المذكورين إنَّه يُباح مع كونه مُسْكِراً، ولكن نَشَأَت شُبْهَةٌ من جهة أنَّ هذا المطبوخ قد يُسْكِرُ لأشياء؛ إمَّا لأنَّ طَبْخَهُ لم يَكُن تامًّا؛ فإنَّهم ذكروا صفة طَبْخِه أنَّه يُغْلَى عليه أوَّلًا حتَّى يذهب وَسَخُهُ، ثُمَّ يُغْلَى عليه بعد ذلك حتَّى يذهبَ ثُلُثاه، فإذا ذهب ثُلُثاه والوسخ فيه كان الذَّاهِب منه أقلَّ من الثُّلُثين؛ لأنَّ الوسخ يكون حينئذٍ من غير الذَّاهِب.

وإمَّا من جهة أنَّه قد يُضاف إلى المطبوخ من الأَفَاوِيه وغيرها ما يُقوِّيه ويشُدُّه، حتَّى يصير مُسْكِراً، فيصير بذلك من باب الخَليطَيْن، وقد استفاض عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه (نَهَى عَنِ الخَلِيطَيْنِ)؛ لتَقْوية أحدهما صاحبه، كما نَهَى عن خليط التَّمْر والزَّبيب، وعن الرُّطَب والتَّمْر، ونحو ذلك.

وللعُلماء نزاعٌ في الخَليطَيْن إذا لم يُسْكِر، كما تنازع العُلماء في نبيذ الأوعية التي لا يَشتدُّ ما فيها بالغليان، وكما تنازعوا في العصير والنَّبيذ بعد ثلاثٍ. وأمَّا إذا صار الخَليطان من المُسْكِر فإنَّه حَرَامٌ باتِّفاق هؤلاء الأئمَّة.

فالذي أباحَه عُمَر من المطبوخ كان صِرْفاً، فإذا خَلَطَه بما قوَّاه وذهب ثُلُثاه، لم يكن ذلك ما أباحَه عُمَر. ورُبَّما يكون لبعض البلاد طبيعةٌ يُسْكِر فيها ما ذهب ثُلُثاه، فيَحْرُم إذا أَسْكَر؛ فإنَّ مناط التَّحريم هو السُّكْرُ باتِّفاق الأئمَّة. ومن قال: إنَّ عُمَرَ أو غيره من الصَّحابة أباح مُسْكِراً فقد كذب عليهم.

[مجموع فتاوى ابن تيمية (٣٤/ ١٩٨ - ٢٠١)]

<<  <  ج: ص:  >  >>