للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥]، والذَّكاة في كلام العرب: الذَّبْح؛ فمعنى (ذكَّيتم) في الآية الكريمة: أدركتم ذكاته على التمام، إذ يقال: ذَكَّيتُ الذبيحة أُذَكِّيها، مشتقَّة من التطيُّب؛ فالحيوان إذا أُسِيلَ دَمُه فقد طُيِّب.

هذا؛ وقد قال أهل اللُّغة: إنِّ كُلَّ ذَبْحٍ ذكاة، وإنَّ معنى التَّذْكية في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي ما أدركتم، وفيها بقيةٌ تَشْخُب (١) معها الأوداج، وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أُدْرِكت ذكاته.

والذَّبْح معروف بالفطرة والعادة لكُلِّ الناس، وقد أقرَّ الإسلام بيُسْرِه وسماحته وبساطته ما جرت به عادة الناس وأعرافهم، وأقرَّته سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفِعْليَّة في ذَبْح الأُضْحِية.

وقد اتَّفق عُلماء الإسلام على أنَّه لا يَحِلٌّ شيءٌ من الحيوان المأكول البرِّيِّ المقدور عليه من دون ذكاة (أي ذَبْح)؛ لقوله سبحانه في آية المُحرَّمات السابقة {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}؛ فقد استثنى الله سبحانه وتعالى الحيوان المذكَّى من المُحرَّم، و (الاستثناء من التحريم إباحة).

والذَّكاة الشرعيَّة التي يَحِلُّ بها الحيوان البرِّيُّ المقدور عليه هي أن يُذْبَح الحيوان أو يُنْحَر بآلةٍ حادَّة ممَّا يُنْهِرُ الدَّم ويَفْري الأوداج؛ أي يُفجِّر دم الحيوان، ويقطع عُروقه من الرَّقبة بين الرأس والصَّدْر، فيموت الحيوان على أثرها. وأكمل الذَّبْح أن يُقطع الحُلْقوم والمَريء -وهما مجرى الطعام والشراب والنَّفَس-، وأن يُقْطَع معهما الوَدَجان -وهما عِرْقان غليظان بجانبي الحُلْقوم والمَريء-.

هذا؛ وقد اشترط الفقهاء لحِلِّ الذبيحة عدَّة شروط؛ منها ما يتعلَّق بآلة الذَّبْح، ومنها ما يتعلَّق بمن يتولَّى


(١) الشَّخْب: السيلان. النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>