للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ)، فجعل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذِكْر اسم الله شرطاً لحِلِّ الذَّبيحة، وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١]، وأمَّا إذا تَرَكها معذوراً بجهلٍ أو نسيانٍ فإنَّ جمهور أهل العِلْم على حِلِّ هذه الذبيحة؛ لأنَّه معذورٌ، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]، فقال الله تعالى: (قَدْ فَعَلْتُ)، وذهب بعض أهل العِلْم من السلف والخلف إلى أنَّ الذبيحة لا تَحِلُّ ولو كان معذوراً بجهلٍ أو نسيانٍ، فإذا ذَبَح الذَّبيحة ونَسِيَ أن يُسمِّيَ الله فإنَّ الذَّبيحة لا تَحِلُّ، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الراجح؛ أنَّ ما لم يُذْكَر اسم الله عليه حَرامٌ أَكْلُه؛ وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} [الأنعام: ١٢١]، فنهى الله تعالى أن نأكل من شيءٍ لم يُذْكَر اسمُ الله عليه، ولم يُقَيِّد ذلك بالعمد، لم يقل: ممَّا لم يُذْكَر اسمُ الله عليه عمداً، وهاهنا جهتان: جهة الذَّبْح، وجهة الأَكْل؛ فالذَّابح الذي نَسِيَ أن يُسمِّيَ الله على الذَّبيحة لا إثم عليه؛ لأنَّه معذور، وأمَّا بالنسبة للآكل فإنَّه لا يَحِلُّ له أن يأْكُل ممَّا لم يُذْكَر اسمُ الله عليه، ولو نَسِيَ فأَكَل فلا إثم عليه؛ لأنَّه معذور، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين هاتين الجهتين، وأن نقول: نحن نُسلِّم بأنَّ الله تعالى لا يؤاخِذُ بالجهل والنسيان، ولكن هاهنا فِعْلان؛ فعل الذَّابح لا يؤاخذ به بالجهل والنسيان، ولا يعاقب على ذلك، وفعل الآكل إذا تعمَّد أن يأْكُل من شيءٍ لم يُذْكَر اسمُ الله عليه وقد نهى الله عنه، فقد وقع في الإثم، ثمَّ إنَّ قول النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ) دليل على أنَّ ذِكْر اسم الله على الذبيحة كإنْهار الدَّم منها، وكلاهما شرط، والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، ولو أنَّ أحداً من الناس كان جاهلاً فذبح

<<  <  ج: ص:  >  >>