للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومع أنَّه مُفْرَدٌ.

وكذلك لو لم يجد ما يشربُه إلَّا في إناء ذَهَبٍ أو فضَّةٍ جاز له شُربُه، ولو لم يجد ثوباً يقيه البَرْد، أو يَقيه السِّلاح، أو يَستُر به عَوْرَته إلَّا ثوباً من حريرٍ مَنْسوج بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، جاز له لُبسُه؛ فإنَّ الضَّرورة تُبيح أَكْل المَيتَة والدَّم ولحم الخنزير بنصِّ القرآن والسُّنَّة وإجماع الأُمَّة، مع أنَّ تحريم المطاعم أشدُّ من تحريم الملابس؛ لأنَّ تأثير الخبائث بالمُمازَجَة والمُخالَطة للبَدَن أعظم من تأثيرها بالمُلابسة والمباشرة للظَّاهر، ولهذا كانت النَّجاسات التي تَحرُم مُلابستها يَحرُم أَكْلُها، ويَحرُم من أَكْل السُّموم ونحوها من المُضِرَّات ما ليس بنَجِسٍ، ولا يحرُم مُباشرتها.

ثُمَّ ما حُرِّم لخُبْث جِنْسه أشدُّ ممَّا حُرِّم لما فيه من السَّرَف والفَخْر والخُيلاء؛ فإنَّ هذا يُحرَّم القَدْر الذي يقتضي ذلك منه، ويُباح للحاجة، كما أُبيح للنِّساء لُبْس الذَّهب والحرير لحاجتهنَّ إلى التَّزيُّن، وحُرِّم ذلك على الرَّجُل، وأُبيح للرَّجُل من ذلك اليسير؛ كالعَلَم ونحو ذلك ممَّا ثبت في السُّنَّة؛ ولهذا كان الصَّحيح من القولين في مذهب أحمد وغيره جواز التَّداوي بهذا الضَّرب دون الأوَّل، كما (رَخَّصَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ فِي لُبْسِ الحَرِيرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا)، ونَهَى عن التَّداوي بالخَمْر وقال: (إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ)، ونَهَى عن الدَّواء الخبيث، ونَهَى عن قتل الضُّفْدَع لأجل التَّداوي بها، وقال: (إِنَّ نَقْنَقَتَهَا تَسْبِيحٌ)، وقال: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا)، ولهذا استُدِلَّ بإذْنِه للعُرَنِيِّين في التَّداوي بأبوال الإبل وأَلْبانها على أنَّ ذلك ليس من الخبائث المُحرَّمة النَّجِسَة؛ لنهيه عن التَّداوي بمثل ذلك؛ ولكونه لم يأمُر بغَسْل ما يُصيب الأبدان والثِّياب والآنية من ذلك.

وإذا كان القائلون بطهارة أبوال

<<  <  ج: ص:  >  >>