للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإبل تنازعوا في جواز شُرْبِها لغير الضَّرورة، وفيه عن أحمد روايتان منصوصتان؛ فذاك لما فيها من القَذارة المُلْحِق لها بالمُخاط والبُصاق والمَنِيِّ، ونحو ذلك من المُستقذَرات التي ليست بنجسةٍ، التي يُشرَع النَّظافة منها كما يُشرَع نَتْف الإِبِط، وحَلْق العانَة، وتقليم الأظفار، وإحفاء الشَّارب.

ولهذا أيضاً كان هذا الضَّرْب مُحرَّماً في باب الآنية والمنقولات على الرِّجال والنِّساء؛ فآنية الذَّهَب والفِضَّة حَرامٌ على الصِّنْفين، بخلاف التَّحلِّي بالذَّهَب ولباس الحرير؛ فإنَّه مُباحٌ للنِّساء، وباب الخبائث بالعكس؛ فإنَّه يُرخَّص في استعمال ذلك فيما ينفصل عن بدن الإنسان ما لا يُباح إذا كان مُتَّصلًا به؛ كما يُباح إطفاء الحريق بالخَمْر، وإطعام المَيتَة للبُزاة والصُّقور، وإلْباس الدَّابَّة الثَّوب النَّجِس، وكذلك الاستصباح بالدُّهن النَّجِس في أشهر قولي العُلماء، وهو أشهر الرِّوايتين عن أحمد؛ وهذا لأنَّ استعمال الخبائث فيها يجري مجرى الإتلاف، ليس فيه ضررٌ، وكذلك في الأُمور المُنفصِلَة، بخلاف استعمال الحرير والذَّهَب؛ فإنَّ هذا غاية السَّرَف والفَخْر والخُيلاء.

وبهذا يظهر غَلَط من رخَّص من الفُقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم في إلْباس دابَّته الثَّوب الحرير؛ قياساً على إلْباس الثَّوب النَّجس؛ فإنَّ هذا بمنزلة من يُجوِّز افتراش الحرير ووَطْأهُ قياساً على المُصَوَّرات، أومن يُبيح تَحلِيَة دابَّته بالذَّهَب والفِضَّة قياساً على من يُبيح إلْباسها الثَّوب النَّجِس؛ فقد ثبت بالنَّصِّ تحريم افتراش الحرير، كما ثبت تحريم لباسه.

وبهذا يظهر أنَّ قول من حَرَّم افتراشه على النَّساء -كما هو قول المَراوِزَة من أصحاب الشَّافعيِّ- أقربُ إلى القياس من قول من أباحه للرِّجال -كما قاله أبو حنيفة-، وإن كان الجُمهور على أنَّ الافتراش كاللِّباس يَحرُمُ على الرِّجال

<<  <  ج: ص:  >  >>