للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّهيَ عن أبعاض ذلك، لولا ما ورد من استثناء موضع إصبعين أو ثلاثٍ أو أربعٍ في الحديث الصَّحيح، ولهذا وقع الفَرْق في كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وكلام سائر النَّاس بين باب النَّهي والتَّحريم، وباب الأمر والإيجاب؛ فإذا نَهَى عن شيءٍ نَهَى عن بعضه، وإذا أَمَرَ بشيءٍ كان أمراً بجميعه.

ولهذا كان النِّكاح حيث أُمِرَ به كان أمراً بمجموعه؛ وهو العَقْدُ والوَطْءُ، وكذلك إذا أُبيح؛ كما في قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣]، {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢]، (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ).

وحيث حُرِّم النِّكاح كان تحريماً لأبعاضه، حتَّى يَحرُم العَقد مُفْرداً، والوطء مُفرداً؛ كما في قوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢]، وكما في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، إلى آخرها [النساء: ٢٣]، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ)، ونحو ذلك.

ولهذا فَرَّق مالك وأحمد -في المشهور عنه- بين من حَلَفَ ليفعلنَّ شيئاً ففَعَلَ بعضَهُ؛ أنَّه لا يَبَرُّ، ومن حَلَفَ لا يفعلُ شيئاً ففعل بعضَهُ؛ أنَّه يَحنَثُ.

وإذا كان تحريم الذَّهب والحرير على الرِّجال، وآنية الذَّهَب والفِضَّة على الزَّوجين يقتضي شمول التَّحريم لأبعاض ذلك.

بقي اتِّخاذ اليسير لحاجة أو مُطلَقاً؛ فالاتِّخاذ اليسير فيه تفصيلٌ؛ ولهذا تنازع العُلماء في جواز اتِّخاذ الآنية بدون استعمالها؛ فرخَّص فيه أبو حنيفة، والشَّافعيُّ، وأحمدُ في قولٍ، وإن كان المشهور عنهما تحريمه؛ إذ الأصل أنَّ (ما حَرُمَ استعمالُه حَرُمَ اتِّخاذُه)؛ كآلات الملاهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>