للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا إنْ كانت الفِضَّة التَّابعة كثيرةً؛ ففيها أيضاً قولان في مذهب الشَّافعيِّ وأحمد. وفي تحديد الفَرْق بين الكثير واليسير، والتَّرخيص في لُبْس خاتم الفضَّة، أو تَحْلِيَة السِّلاح من الفضَّة، وهذا فيه إباحة يسير الفِضَّة مُفرداً، لكن في اللِّباس والتَّحلِّي، وذلك يُباح فيه ما لا يُباح في باب الآنية، كما تقدَّم التَّنبيه على ذلك؛ ولهذا غلط بعض الفُقهاء من أصحاب أحمد؛ حيث حَكَى قولًا بإباحة يسير الذَّهب تبعاً في الآنية عن أبي بكرٍ عبد العزيز، وأبو بكرٍ إنَّما قال ذلك في باب اللِّباس والتَّحلِّي؛ كعَلَم الذَّهَب ونحوه. وفي يسير الذَّهب في باب اللِّباس عن أحمد أقوالٌ:

أحدُها: الرُّخصة مُطلَقاً؛ لحديث معاوية: (نَهَى عَنِ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعاً)، ولعلَّ هذا القول أقوى من غيره، وهو قول أبي بكرٍ.

والثَّاني: الرُّخصة في السِّلاح فقط.

والثَّالث: في السَّيف خاصَّةً، وفيه وجهٌ بتحريمه مُطلَقاً؛ لحديث أسماء: (لَا يُبَاحُ الذَّهَبُ وَلَا خَرِيصَةٌ)، والخَريصَة: عَيْنُ الجَرادة، لكن هذا قد يُحمَل على الذَّهَب المُفرَد دون التَّابع، ولا ريب أنَّ هذا مُحرَّمٌ عند الأئمَّة الأربعة؛ لأنَّه قد ثبت عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نَهَى عن خاتم الذَّهَب، وإن كان قد لَبِسَه من الصَّحابة من لم يَبْلُغه النَّهي؛ ولهذا فَرَّق أحمد وغيره بين يسير الحرير مُفْرداً -كالتَّكَّة (١) -؛ فنَهَى عنه، وبين يسيره تَبَعاً -كالعَلَم-؛ إذ الاستثناء وقع في هذا النَّوع فقط. فكما يُفرَّق في الرُّخصة بين اليسير والكثير، فيُفرَّق بين التَّابع والمُفرَد، ويُحمَلُ حديث معاوية (إِلَّا مُقَطَّعاً) على التَّابع لغيره. وإذا كانت الفِضَّة قد رُخِّص منها في باب اللِّباس والتَّحلِّي في اليسير وإن كان مُفْرداً، فالذين رخَّصوا في اليسير


(١) التِّكَّة بتشديد التاء المكسورة، وتشديد الكاف المفتوحة، وهي: تكّة السَّراويل؛ أي رباطها. لسان العرب (١/ ٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>