للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسِّدْر، والخِطْمِيِّ (١)، والتُّراب، والعَجين، وغير ذلك ممَّا قد يُغيِّرُ الماء؛ مثل الإناء إذا كان فيه أثرُ سِدْرٍ أو خِطْمِيٍّ، ووُضِعَ فيه ماءٌ فتغيَّر به مع بقاء اسم الماء؛ فهذا فيه قولان معروفان للعُلماء:

أحدُهما: أنَّه لا يجوز التَّطهير به؛ كما هو مذهب مالك، والشَّافعيِّ، وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه التي اختارها الخِرَقِيُّ، والقاضي، وأكثر مُتأخِّري أصحابه؛ لأنَّ هذا ليس بماء مُطلَقٍ، فلا يَدْخُل في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: ٤٣]. ثُمَّ إنَّ أصحاب هذا القول استثنوا من هذا أنواعاً بعضها مُتَّفقٌ عليه بينهم، وبعضها مُختَلَفٌ فيه، فما كان من التَّغيُّر حاصلاً بأصل الخِلْقَة، أو بما يَشُقُّ صَوْنُ الماء عنه، فهو طَهور باتِّفاقهم، وما تغيَّر بالأَدْهان والكافور ونحو ذلك؛ ففيه قولان معروفان في مذهب الشَّافعيِّ وأحمد وغيرهما، وما كان تَغيُّرُه يسيراً؛ فهل يُعفَى عنه، أو لا يُعفَى عنه، أو يُفرَّق بين الرَّائحة وغيرها؟ على ثلاثة أوْجُهٍ، إلى غير ذلك من المسائل.

والقول الثَّاني: أنَّه لا فَرْقَ بين المُتغيِّر بأصل الخِلْقَة وغيره، ولا بما يَشُقُّ الاحتراز عنه، ولا بما لا يَشُقُّ الاحتراز عنه، فما دام يُسمَّى ماءً، ولم يَغْلِب عليه أجزاء غيره، كان طهوراً؛ كما هو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في الرِّواية الأُخرى عنه، وهي التي نصَّ عليها في أكثر أجوبته.

وهذا القول هو الصَّواب؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} نكرةٌ في سياق النَّفي؛ فيَعمُّ كُلَّ ما هو


(١) الخِطْمي: بكسر الخاء وفتحها: نبات من الفصيلة الخبازيَّة، يُغسَل به الرأس. انظر: لسان العرب (١٢/ ١٨٦)، المعجم الوسيط (١/ ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>