للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ماءٌ، لا فَرْقَ في ذلك بين نوع ونوع.

فإن قيل: إنَّ المُتغيِّر لا يدخل في اسم الماء.

قيل: تناول الاسم لمُسمَّاه لا فَرْق فيه بين التَّغيُّر الأصليِّ والطَّارئ، ولا بين التَّغيُّر الذي يُمكن الاحتراز منه، والذي لا يُمكن الاحتراز منه؛ فإنَّ الفَرْق بين هذا وهذا إنَّما هو من جهة القياس؛ لحاجة النَّاس إلى استعمال هذا المُتغيِّر دون هذا.

فأمَّا من جهة اللُّغة وعموم الاسم وخصوصه؛ فلا فَرْق بين هذا وهذا، ولهذا لو وَكَّلَهُ في شراء ماءٍ، أو حَلَفَ لا يشربُ ماءً، أو غير ذلك، لم يُفرَّق بين هذا وهذا، بل إنْ دَخَل هذا، دَخَل هذا، وإنْ خرج هذا، خرج هذا؛ فلمَّا حصل الاتِّفاق على دخول المُتغيِّر تغيُّراً أصليًّا أو حادثاً بما يَشُقُّ صَوْنه عنه، عُلِمَ أنَّ هذا النَّوع داخلٌ في عموم الآية.

وقد ثبت بسُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال في البَحْر: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)، والبحر مُتغيِّر الطَّعم تَغيُّراً شديداً؛ لشِدَّة مُلوحَته؛ فإذا كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أنَّ ماءَه طَهورٌ مع هذا التَّغيُّر، كان ما هو أخَفُّ مُلوحةً منه أَوْلَى أن يكون طَهوراً، وإن كان المِلْح وُضِعَ فيه قصداً؛ إذْ لا فَرْق بينهما في الاسم من جهة اللُّغة.

وبهذا يَظهَرُ ضَعْفُ حُجَّة المانعين؛ فإنَّه لو استقى ماءً، أو وَكَّلَه في شراء ماءٍ؛ لم يتناول ذلك ماء البحر، ومع هذا فهو داخلٌ في عموم الآية؛ فكذلك ما كان مثله في الصِّفة.

وأيضاً؛ فقد ثبت أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- (أَمَرَ بِغَسْلِ المُحْرِمِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ)، (وَأَمَرَ بِغَسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ)، (وَأَمَرَ الَّذِي أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ)، ومن المعلوم أنَّ السِّدْر لا بُدَّ أنْ يُغيِّر الماء؛ فلو كان التَّغيُّر يُفسِد الماء لم يأمر به.

وقول القائل: إنَّ هذا تغيُّرٌ في مَحلِّ الاستعمال فلا يُؤثِّر. تفريقٌ بوصْفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>