غير مُؤثِّر لا في اللُّغة، ولا في الشَّرع؛ فإنَّ المُتغيِّر إن كان يُسمَّى ماءً مُطلَقاً وهو على البدن، فيُسمَّى ماءً مُطلَقاً وهو في الإناء، وإن لم يُسَمَّ ماءً مُطلَقاً في أحدهما لم يُسَمَّ مُطلَقاً في الموضع الآخر؛ فإنَّه من المعلوم أنَّ أهل اللُّغة لا يُفرِّقون في التَّسمية بين مَحلٍّ ومَحلٍّ.
وأمَّا الشَّرع: فإنَّ هذا فَرْقٌ لم يَدُلَّ عليه دليلٌ شرعيٌّ، فلا يُلْتَفت إليه، والقياس عليه إذا جُمِع أو فُرِّق: أن يُبيِّن أنَّ ما جَعَلَه مناط الحكم جَمْعاً أو فَرْقاً ممَّا دلَّ عليه الشَّرع، وإلَّا فمَنْ عَلَّق الأحكام بأوصافٍ جَمْعاً وفَرْقاً بغير دليلٍ شرعيٍّ، كان واضعاً لشرعٍ مِنْ تلقاءِ نفْسِه، شارعاً في الدِّين ما لم يأْذَن به الله؛ ولهذا كان على القائِسِ أنْ يُبيِّن تأثير الوصف المُشتَرَك الذي جَعَلَه مناط الحكم بطريقٍ من الطُّرُق الدَّالَّة على كون الوصف المُشتَرَك هو عِلَّة الحكم، وكذلك في الوصف الذي فُرِّق فيه بين الصُّورتين؛ عليه أن يُبيِّن تأثيرَه بطريقٍ من الطُّرُق الشَّرعيَّة.
وأيضاً؛ فإنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- (تَوَضَّأَ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ العَجِينِ)، ومن المعلوم أنَّه لا بُدَّ في العادة من تغيُّر الماء بذلك، لا سيَّما في آخر الأمر إذا قَلَّ الماء وانْحَلَّ العجين.
فإن قيل: ذلك التَّغيُّر كان يسيراً.
قيل: وهذا أيضاً دليلٌ في المسألة؛ فإنَّه إن سوَّى بين التَّغيُّر اليسير والكثير مُطلَقاً كان مُخالِفاً للنَّصِّ؛ وإنْ فَرَّق بينهما لم يكن للفَرْق بينهما حدٌّ مُنضبِطٌ؛ لا بِلُغةٍ، ولا شَرْعٍ، ولا عَقْلٍ، ولا عُرْفٍ، ومن فَرَّق بين الحلال والحرام بفَرْقٍ غير معلوم لم يكن قولُه صحيحاً.
وأيضاً؛ فإنَّ المانعين مُضطربون اضطراباً يدُلُّ على فساد أصل قولهم؛ منهم مَنْ يُفرِّقُ بين الكافور والدُّهن وغيره، ويقولُ: إنَّ هذا التَّغيُّر عن مُجاورةٍ لا عن مُخالطةٍ، ومنهم من يقولُ: بل نحن نَجِدُ في الماء أَثَرَ ذلك، ومنهم من يُفرِّقُ بين الورق الرَّبيعيِّ والخَريفيِّ،