ومنهم من يُسوِّي بينهما، ومنهم من يُسوِّي بين المِلْحَيْنِ؛ الجَبَليِّ والمائيِّ، ومنهم من يُفرِّقُ بينهما.
وليس على شيءٍ من هذه الأقوال دليلٌ يُعتَمَدُ عليه، لا من نصٍّ، ولا قياسٍ، ولا إجماعٍ؛ إذ لم يكن الأصل الذي تفرَّعت عليه مأخوذاً من جهة الشَّرع، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢]، وهذا بخلاف ما جاء من عند الله فإنَّه محفوظٌ؛ كما قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]؛ فدلَّ ذلك على ضَعْف هذا القول.
وأيضاً؛ فإنَّ القول بالجواز موافقٌ للعموم اللَّفظيِّ والمعنويِّ، مدلولٌ عليه بالظَّواهر والمعاني؛ فإنَّ تَناوُلَ اسمِ الماء لمواقع الإجماع كتناوُلِه لموارد النِّزاع في اللُّغة، وصفات هذا كصفات هذا في الجِنْس؛ فتَجِب التَّسوية بين المُتماثِلَيْن.
وأيضاً؛ فإنَّه على قول المانعين: يلزم مخالفة الأصل، وتَرْك العمل بالدَّليل الشَّرعيِّ لمُعارِضٍ راجح؛ إذ كان يقتضي القياسُ عندهم أنَّه لا يجوز استعمال شيءٍ من المُتغيِّرات في طهارتي الحَدَث والخَبَث، لكن استُثني المُتغيِّر بأصل الخِلْقَة، وبما يَشُقُّ صَوْنُ الماء عنه؛ للحَرَج والمشقَّة؛ فكان هذا موضع استحسانٍ تُرِكَ له القياس، وتعارض الأدلَّة على خلاف الأصل.
وعلى القول الأوَّل: يكون رُخصةً ثابتةً على وفق القياس، من غير تعارضٍ بين أدلَّة الشَّرع؛ فيكون هذا أقوى.
فصلٌ: وأمَّا الماءُ إذا تغيَّر بالنَّجاسات؛ فإنَّه يَنْجُس بالاتِّفاق، وأمَّا ما لم يتغيَّر ففيه أقوالٌ معروفةٌ:
أحدُها: لا ينجُس؛ وهو قول أهل المدينة، ورواية المَدَنيِّين عن مالكٍ، وكثيرٍ من أهل الحديث، وإحدى الرِّوايات عن أحمد اختارها طائفةٌ من أصحابه، ونَصَرَها ابن عَقيلٍ في