لا يُقال: نختار القول بالتعليل ثمَّ ندَّعي أنَّ العِلَّة في الأصل هي الاستقذار لا النجاسة، وحينئذٍ يصحُّ القياس ويندفع ما أورده الشيخ الإمام المازِريُّ من النقض بنجاسة المُجْمَع عليها، إذ مُطْلَق النجاسة لا مدخل له في التعليل، وإنَّما المعتبر الاستقذار، وقد وُجِدَ في الخنزير كوجوده في الكَلْب أو أشدَّ؛ لأنَّا نقول: لو كان المعتبر في الأصل مجرَّد الاستقذار لاطَّرَد ولم يُطْرح؛ لأنَّا نجد من أنواع الخَشاش ما هو أقذر من الخنزير والكَلْب، ومع ذلك لم يوجد الحكم، فدلَّ على بُطْلان كون العِلَّة مُجرَّد الاستقذار.
هذا بسط ما أشار إليه، وهو كلام جيِّد، ويمكن فيه البحث. وقد صرَّح ابن رُشْدٍ أيضاً بضَعْف رواية الإلحاق، مُسْنِداً دعواه إلى أنَّ الحكم في الكَلْب تعبُّد فلا يقاس، وهو مبنيُّ على طريقة الباجِيِّ من كون ظاهر المذهب في المسألة التعبُّد، وهو الذي ذكر أبو بكر ابن المُنْذِر في (إشرافه). وأمَّا على طريقة ابن بشير من كون مشهور المذهب التعليل بالاستقذار؛ فالقياس يمكن، ولا يُسَلَّم البحث على ما مرَّ. والله أعلم، وبه التوفيق.
وأجاب سيدي أحمد بن زَاغ: أمَّا مسألة إلحاق الخنزير بالكَلْب؛ فقال عياض في (الإكمال): وقد اختُلِف في غسل الإناء من سؤر الخنزير، هل يُقاس على الكَلْب لنجاسته -وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي-، أو لتقذُّره وأكْلِه الأنجاس -وهو أحد قولي مالك- ولا يُغْسَل؛ لأنَّه لا يُستعمَل ولا يُقْتَنى، فلا توجد فيه عِلَّة الكَلْب من أذى الناس -وهو أحد قولي مالك-. انتهى.
فظاهره أنَّ الإلحاق وإن كان، فإنَّما هو في مُطْلَق الغَسْل لا في العدد معه؛ لأنَّ الإلحاق لا بُدَّ فيه من العِلَّة. فإن قلنا بالتعبُّد في السَّبْع فلا عِلَّة، وإن قلنا بالتعليل بما ذكر ابن الحاجب فيه من