للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ). هذا لفظ البخاري في رواية، وفي أخرى: (تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُضُهُ بِالمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ). وهو لمسلم بهذا اللفظ، لكن بـ (ثمَّ) في الجمل الثلاث كُلِّها، وكون النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُرتِّب الصلاة على غَسْلِه بـ (ثمَّ)، دليلٌ على أنَّ غَسْلَه لنجاسته، لا لأجل النظافة فقط.

وأمَّا نجاسة دم الجُرْح؛ ففي الصحيحين من حديث سَهْل بن سَعْد رضي الله عنه في قصَّة جَرْح وَجْه النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحُد قال: (فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكَانَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالمِجَنِّ)، هذا لفظ مسلم. وهذا وإن كان قد يدَّعي مدَّعٍ أنَّ غَسْله للتنظيف لا للتطهير الشرعي، أو أنَّه مجرَّد فِعْل، و (الفِعْل المُجرَّد لا يدلُّ على الوجوب).

فإنَّ جوابه: أنَّ أَمْر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت أبي حُبَيْش بغَسْل الدَّم قرينةٌ على أنَّ غَسْل الدَّم من وجه النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كان تطهيراً شرعيًّا مُتقرِّراً عندهم.

وأمَّا ما ورد عن بعض الصحابة ممَّا يدلُّ ظاهره على أنَّه لا يجب غَسْل الدَّم والتطهير منه، فإنَّه على وجهين:

أحدهما: أن يكون يسيراً يُعفَى عنه؛ مثل ما يُروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه لا يرى بالقَطْرَتين من الدَّم في الصَّلاة بأساً، وأنَّه يُدْخِل أصابعه في أنفه فيخرج عليها الدَّم فيَحُتُّه، ثمَّ يقوم فيُصلِّي. ذَكَر ذلك عنه ابن أبي شَيْبَة في (مُصنَّفه).

الثاني: أن يكون كثيراً لا يمكن التَّحرُّز منه؛ مثل ما رواه مالك في (الموطَّأ) عن المِسْوَر بن مَخْرَمة، (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ حِينَ طُعِنَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً)، فإنَّ هذا لا يمكن التحرُّز منه؛ إذْ لو غُسِلَ لاستمرَّ يخرج، فلم يستفد شيئاً، وكذلك ثوبه لو غَيَّره بثوب آخر -إن كان له ثوبٌ آخر-

<<  <  ج: ص:  >  >>