عمَّا يقتضيه الدَّليلُ والنَّظَر من حيث الاجتهاد، والمسؤول أن يكون الجواب على طريقة الاجتهاد وأصحاب الاختيارات.
الجواب: الحمد الله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
الكلام على هذه المسألة يحتاج إلى تحرير مُقدِّمَتَين:
الأُولَى: في أنَّ الشَّعْرَ هل يَنْجُسُ بالموت أو لا يَنْجُس به، بل يبقى على طهارته؟
والثَّانية: في مذاهب العُلماء في طهارة الجِلْد بالدِّباغ وعدمها، وحُجَجُ كُلٍّ منهما.
أمَّا المُقدِّمة الأُولى: فقد اختلف العُلماء في نجاسة الشَّعْر بالموت؛ فذهب جماعةٌ إلى نجاسته؛ منهم: عطاءٌ، والشَّافعيُّ -فيما حكاه عنه جمهور أصحابه؛ البُويْطِيُّ، والمُزَنِيُّ، والرَّبيعُ المُرَادِيُّ، وحَرْمَلَةُ، وأصحابُ القديم، وصحَّحهُ جمهور المُصحِّحين-.
وقال أكثرُ الأئمَّة: إنَّ الشَّعْرَ لا يَنْجُسُ بالموت؛ منهم: عمرُ بن عبد العزيز، والحَسَنُ البَصريُّ، وحَمَّادُ بن أبي سُليمان الكُوفيُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافعيُّ في آخر قَوْلَيْه؛ قال صاحب (الحاوي): حكى ابنُ شُرَيْحٍ عن أبي القاسم الأَنْماطيِّ عن المُزنِيِّ عن الشَّافعيِّ أنَّه رَجَعَ عن تَنَجُّسِ الشَّعْرِ.
وذهب إليه أيضاً: أحمدُ بن حنبل، وإسحاقُ بن راهَوَيْه، والمُزنِيُّ، وابنُ المُنْذرِ، وداودُ.
وقال أبو حنيفةَ: لا يَنْجُسُ شيءٌ من الشَّعْر بالموت إلَّا شَعْر الخنزير.
واحتجَّ هؤلاء بقول الله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[النحل: ٨٠]، وهذا عامُّ في كُلِّ حالٍ.
وبقوله -صلى الله عليه وسلم- في المَيتَةِ:(إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) رواه الشيخان.